أنْ يتبيَّنَ الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسودِ، أمَرَ مَعَ ذلك بطلبِ ليلةِ القدْرِ.
لئلا يشتغلَ المسلمونَ في طولِ ليالِي الشهرِ بالاستمتاع المباح، فيفوتُهم طلبُ
ليلةِ القدْرِ، فأمرَ مع ذلكَ بطلبِ ليلةِ القَدْرِ بالتهجُّد من الليلِ، خصوصًا في
الليالِي المرجُوِّ فيها ليلةُ القَدْرِ، فمن هاهُنا كانَ النبيُّ - ﷺ - يصيبُ من أهلِهِ في العشرينَ من رمضانَ، ثم يعتزلُ نساءَه ويتفرغَّ لطلب ليلةِ القَدْرِ في العشر الأواخرِ.
* * *
قوله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧)
وقولُهُ - ﷺ -: "كالراعِي يرعَى حولَ الحِمَى يُوشِكُ أن يرتَعَ فيه، ألا وإنَّ لكلِّ ملكٍ حِمَى، وإنَّ حِمَى اللَّهِ محارمُهُ ":
هذا مَثَلٌ ضربَهُ النبيُّ - ﷺ - لمنْ وقع في
الشبهاتِ، وأنَّه يقرُبُ وقوعُهُ في الحرامِ المحضِ، وفي بعضِ الرواياتِ أنَّ
النبيَّ - ﷺ - قالَ:
"وسأضربُ لَكُم مثلاً" ثم ذكرَ هذا الكلامَ، فجعلَ النبيُّ - ﷺ - مثلَ المحرَّماتِ كالحِمى الَّذي تحميه الملوكُ، ويمنعونَ غيرَهم من قُربانِهِ، وقد جعلَ النبيُّ - ﷺ - حولَ مدينتِهِ اثني عشرَ ميلاً حِمى محرَّمًا، لا يُقطعُ شجرُه، ولا يُصادُ صيدُه، وحَمَى عمرُ وعثمانُ أماكنَ ينبتُ فيها الكلأ لأجلِ إبلِ الصدقةِ.
واللَّهُ عزَّ وجلَّ حَمَى هذه المحرَّماتِ، ومنعَ عبادَهُ من قربانِهَا، وسمَّاها
حدودَه، فقالَ تعالَى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧).


الصفحة التالية
Icon