عند ربي يطعمنِي ويسقيني ".
فنسبةُ التقصيرِ إليه في العملِ لاتكالِه على المغفرةِ خطأ فاحشٌ، لأنه
يقتضي أن هديَه ليسَ هو أكمل الهديِ وأفضلَه، وهذا خطأ عظيم، ولهذا كانَ - ﷺ - يقولُ في خطبته:
"خير الهديِ هديُ محمد".
ويقتضي - أيضًا - هذا الخطأ أنَّ الاقتداءَ بهديِه في العملِ ليس هو أفضلَ.
بلِ الأفضلُ الزيادةُ على هديه في ذلك، وهذا خطأ عظيم جدًّا؛ فإنَّ اللَّهَ
تعالى قد أمرَ بمتابعتِه، وحثَّ عليها، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).
فلهذا كان - ﷺ - يغضبُ من ذلك غضبًا شديدًا، لما في هذا الظن من القدح في هديه ومتابعتِه والاقتداءِ به.
وفي روايةِ للإمامِ أحمد: "واللَّهِ، إنّي لأعلمُكُم باللَّهِ، وأتْقَاكم له قلبًا".
وقولُه في الروايةِ التي خرَّجها البخاريُّ في هذا الباب:
"إنَّ أتقاكمْ وأعلمكُم باللَّهِ أنا"، فيه: الإتيانُ بالضميرِ المنفصلِ مع تأتَي الإتيانِ بالضميرِ المتصلِ، وهو ممنوع عند أكثرِ النحاةِ، إلا للضرورةِ، كقولِ الشاعِرِ:
ضَمِنَتْ إيَّاهُمُ الأرْضُ في دَهْرِ الدَّهَارِيرِ
وإنَّما يجوزُ اختيارًا، إذا لم يتأتَّ الإتيانُ بالمتصلِ، مثلُ أن تبتدئ بالضميرِ
قبلَ عاملِهِ، نحوُ: (إِياكَ نَعْبُدُ)، فإنَه لا يُبتدئ بضميرٍ متصلٍ، أو
يقعُ بعدَ نحوِ: "إلا إياهُ ".


الصفحة التالية
Icon