ثم هاجرَ إلى المدينةِ، كذا ذكرَه ابنُ إسحاقَ وغيرُه.
ويعضدُ هذا: أنَه رُويَ: أنَّ امتناعهم من الكلامِ كان بنزولِ قولِهِ: (وَإِذَا
قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعوا لَهُ وَأَنصِتوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، وهذه الآيةُ مكيَّةٌ.
فروى أبو بكرٍ بنُ عياشٍ، عن عاصمٍ، عن المسيّبِ بنِ رافعِ، قالَ:
قالَ ابنُ مسعودٍ: كنا يسلمُ بعضُنا على بعضٍ في الصلاةِ، فجاءَ القرآنُ (وَإِذَا قُرِئَ الْقرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتوا).
وأخرَّجَه ابنُ جريرٍ وغيرُه.
وهذا الإسنادُ منقطعٌ؛ فإن المسيبَ لم يلقَ ابنَ مسعودٍ.
وروى الهَجَريُّ، عن أبي عياضٍ، عن أبي هريرةَ، قال: كانوا يتكلَّمون
في الصلاةِ، فلما نزلتْ هذه الآيةَُ (وَإِذَا قرِئَ الْفرْآنُ)، والآيةُ
الأخرى، قال: فأمِرْنا بالإنصاتِ.
وخرَّجه بقيُّ بنُ مخلدٍ في "مسندهِ ". وخرَّجه غيرُه، وعنده: "أو الآيةُ
الأخرى" - بالشكِّ. والهجريُّ، ليس بالقويِّ.
ولكن يشكلُ على أهلِ هذه المقالةِ حديثُ زيدِ بنِ أرقم، الذي خرَّجه
البخاريُّ هاهنا، فإن زيدًا أنصارفيٌ، لم يصلِّ خلفَ النبيَّ - ﷺ - بمكةَ، إنَّما صلى خلفه بالمدينةِ، وقد أخبر أنهم كانوا يتكلَّمون حتى نزلتْ (وقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)، وهي مدنيةٌ بالاتفاق.
وأجابَ أبو حاتمٍ ابنُ حبانِ - وهو ممن يقولُ: إن تحريمَ الكلامِ كان


الصفحة التالية
Icon