فلما حجُّوا حجةَ الإسلامِ كملَ لهمُ الدينُ بتكميلِهِم أركانَ الإسلامِ حينئذٍ.
ولم يكنِ الدّينُ قبلَ ذلكَ ناقصًا، كنقصِ مَنْ تركَ شيئًا من واجباتِ دِينه، بل
كانَ الدِّينُ في كلّ زمانٍ كاملاً بالنسبةِ إلى ذلكَ الزمانِ بما فيه من الشرائع
والأحكام، وإنَّما هو ناقصٌ بالنسبةِ إلى زمانِ الذي بعدَه الذي تجدَّد فيه من
الشرائع والأحكامِ ما لم يكنْ قبلَ ذلك.
كما يقالُ: إنَّ شريعةَ الإسلامِ أكملُ من شريعةِ موسى وعيسَى، وإنَّ القرآنَ
أكملُ من التوراةِ والإنجيلِ.
وهذا كما سمَّى النبيُّ - ﷺ - النساءَ ناقصاتِ دينٍ، وفَسَّر نقصانَ دينهنَّ بتركِ الصلاةِ والصيامِ في زمنِ حيضِهِنَّ، مع أنها قائمةٌ في تلكِ الحال بما وجبَ عليها من غيرِ الصلاةِ، ولكنَّ نقصانَ دينِها بالنسبةِ إلى مَن هي طاهرةٌ تصلِّي وتصومُ.
وهذا مبنيٌّ على أنَّ الدِّين هو الإسلامُ بكمالِهِ، كما تقدَّمَ ذكرُهُ، والبخاريُّ
عنده أنَّ الإسلامَ والإيمانَ واحدٌ، كما تقدَّم ذكرُهُ.
وقد احتجَّ سفيانُ بنُ عيينةَ وأبو عبيدٍ وغيرُهم بهذه الآيةِ على تفاضلِ
الإيمانِ.
قال أبو عبيدٍ: قد أخبرَ اللَّهُ أنَّه أكملَ الدِّينَ في حجةِ الوداع في آخرِ
الإسلامِ، وزعم هؤلاءِ أنَّه كان كاملاً قبل ذلك بعشرينَ سنةً في أولِ ما نزلَ الوحيُ.
قال: وقد اضطَّر بعضُهم حين أدخلتُ عليه هذه الحجةَ إلى أن قالَ: الإيمانُ
ليسَ هو مجموعَ الدِّين، ولكنَّ الدِّين ثلاثةُ أجزاءٍ، فالإيمانُ جزءٌ، والفرائضُ


الصفحة التالية
Icon