أخبرَني بذلك عددٌ من قريشٍ منْ أهلِ العلم بالمغازِي وغيرِهم.
فإن قيلَ: فقد ذكر غيرُ واحدٍ، منهُم: ابنُ عبدِ البر: أنه يُحتملُ أنْ يكون
الذي نزلَ بسببِ قصة عائشةَ الآيةُ التي في سورةِ النساءِ، فإنها نزلتْ قبلَ
سورةِ المائدة بيقين، وسورةُ المائدةِ من أواخِر ما نزل من القرآنِ، حتى قيلَ:
إنها نزلتْ كلُّها أو غالبُها في حَجَّةِ الوداع، وآيةُ النساءِ نزولها متقدِّم.
وفي "صحيح مسلم " من حديثِ سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ أنها نزلتْ فيه لمَّا
ضَرَبَه رجلٌ قد سكِر بِلَحْي بعير، ففزَرَ أنْفَه.
وفي "سن أبي داودَ" والنسائيِّ وابنِ ماجةَ، عن عليٍّ، أنَّ رجلاً صلَّى
وقد شربَ الخمرَ، فخَلَّطَ في قراءتِهِ، فنزلتْ آيةُ النساءِ.
فقد تبيَّن بهذَا: أنَّ الآيةَ التي في سورةِ النساءِ نزلتْ قبلَ تحريمِ الخمرِ.
والخمرُ حُرِّمتْ بعد غزوةِ أُحُدٍ، ويقال: إنها حرمتْ في محاصرةِ بني النضيرِ
بعدَ أُحُدٍ بيسيرٍ، وآيةُ النساءِ فيها ذكر التيمم، فلو كانتْ قد نزلتْ قبل قصةِ عائشةَ لما توقفوا حينئذٍ في التيممِ، ولا انتظرُوا نزولَ آية أخرى فيه.
قيلَ: هذا لا يصح؛ لوجوهٍ:
أحدها: أنَّ سببَ نزولِ آيةِ النساءِ قد صحَّ أنه كانَ ما ينشأُ من شربِ الخمرِ
من المفاسدِ في الصلاةِ وغيرِها، وهذا غيرُ السببِ الذي اتَّفَقَتِ الرواياتُ عليه
في قصةِ عائشةَ، فدل على أنَّ قصةَ عائشةَ نزلَ بسببِها آيةٌ غيرُ آيةِ النساءِ.
وليسَ سوى آيةِ المائدةِ.


الصفحة التالية
Icon