بعد ذلك بالتيمم عند عدمِ الماءِ، فعادَ إلى الحدثينِ معًا.
وإن قيلَ: إنه يعود إلى أحدهما، فعودُه إلى غسلِ الجنابةِ أولى، لأنه أقربُهُما، فأما عودُه إلى أبعدِهِم وهو - وضوءُ الصلاةِ - فممتنعٌ.
وأمَّا آيةُ سورةِ النساءِ، فليسَ بها سوى ذكرِ الجنابةِ، وليسَ للوضوءِ فيها
ذكرٌ، فكيفَ يعودُ التيممُ إلى غيرِ مذكورِ فيها، ولا يعودُ إلى المذكورِ.
والثاني: أنَّ كلتا الآيتينِ: أمر اللَّهُ بالتيمم من جاء من الغائط، ولمَسَ النساءَ أو لم يجد الماءَ، ولَمْسُ النِّساءِ إما أن يراد به الجِماعُ خاصةً، كما قاله ابنُ عباسٍ وغيرُه، أو أنه يدخل فيه الجماعُ وما دونه من الملامسةِ لشهوةٍ كما يقولُه غيرُهُ، فأما أن يُخَصَّ به ما دون الجماع ففيه بُعْدٌ.
ولمَّا أوردَ أبو موسى على ابنِ مسعودٍ الآيةَ تحيَّر ولم يْدرِ ما يقول، وهذا
يدلُّ على أنه رأى أن الآية يدخل فيها الجنب كما قاله أبو موسى.
وفي أمْرِ النبيِّ - ﷺ - الجنبَ العادِمَ للماءِ أن يتيمَّمَ ويصلِّي دليلٌ على أنه - ﷺ - فهِمَ دخولَ الجنبِ في الآيةِ، وليس بعد هذا شيء.
ورَدُّ ابنِ مسعودٍ تيممَ الجنبِ، لأنه ذريعةٌ إلى التَّيَمُّم عندَ البردِ؛ لم يوافقْ
عليه، لأنَّ النصوصَ لا تُرَدُّ بسدِّ الذرائع، وأيضًا، فيقالُ: إن كان البردُ
يخشى معه التلف أو الضرر فإنه يجوز التيمم معه كما سبق.
وقد روى شُعْبةُ، أنَّ مُخارِقًا حدثهم، عن طارق، أنَّ رجلاً أجنبَ فلم
يصلِّ، فأتى النبيَّ - ﷺ - فذكر ذلك له، فقالَ لهُ: "أصَبْتَ "، وأجنب رجل آخرُ فتيمم وصلَّى، فأتاه - ﷺ -، فقال له نحوًا مما قال للآخرِ - يعني: "أصَبْتَ ".


الصفحة التالية
Icon