وبيَّنَ في موضع آخرَ سببَ قسوةِ قلوبِهِم، فقال: سبحانه: (فَبِمَا نَقْضِهِم
مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قلُوبَهُمْ قَاسِيَةً)، فأخبرَ أنَّ قسوةَ قلوبِهِم كانَ
عقوبةً لهُم على نقضِهم مواثيقَ اللَّهِ وعهودِهِ أنْ لا تفعلُوا ذلك.
ثمَّ قال تعالى: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكروا بِهِ).
فذكرَ أنَّ قسوةَ قلوبِهم أوجبتْ لهم خصلتينِ مذمومتينِ:
إحداهما: تحريف الكلم من بعدِ مواضِعِهِ.
والثانية: نسيانُهم حظا ممَّا ذكِّرُوا به، والمرادُ تركُهُم وإهمالُهُم نصيبًا ممَّا ذُكَرُوا به من الحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، فنسوا ذلكَ وتركُوا العملَ به وأهملوه.
وهذانِ الأمرانِ موجودانِ في الذين فسدُوا من علمائِنا لمشابهتِهِم لأهلِ
الكتاب:
أحدهما: تحريفُ الكلم، فإنَّ من تفقَّه لغير العملِ يقسُو قلبُه فلا يشتغلُ
بالعملِ، بل بتحريفِ الكلم، وصرفِ ألفاظِ الكتابِ والسنةِ عن مواضِعِها.
والتلطفِ في ذلكَ بأنواع الحيلِ اللطيفةِ، من حمْلِهَا على مجازاتِ اللغةِ
المستبعدَةِ ونحوِ ذلك، والطعنُ في ألفاظِ السنن حيثُ لم يمكنْهم الطعنُ في
ألفاظِ الكتابِ، ويذمُّونَ من تمسَّكَ بالنصوصِ وأجْرَاها على ما يُفهمُ منها
ويسمونه جاهلاً أو حسودًا.
وهذا يوجدُ في المتكلمينَ في أصولِ الدياناتِ، وفي فقهاءِ الرأي، وفي صوفيةِ الفلاسفةِ والمتكلمينَ.
والثاني: نسيانُ حظ مما ذُكِّرُوا به من العلم النافع فلا تتعظُ به قلوبُهم، بل