عمارةِ مسجدِ النبيِّ - ﷺ - لما عمَّره في خلافةِ الوليدِ بنِ عبدِ المَلكِ.
ويتوجه قولٌ ثالثٌ، وهو: أنَّ الكافرَ إن بنى مسجدًا للمسلمينَ من مَالِهِ لم
يمكَّن من ذلكَ. ولو لم يُبَاشِره بنفسه، وإنْ باشَرَ بناءه بنفسِهِ باستئجارِ
المسلمينَ له جازَ، فإن في قبولِ المسلمينَ منَّةَ الكفارِ ذُلًّا للمسلمينَ، بخلافِ
استئجارِ الكفار للعملِ للمسلمينَ، فإن فيه ذُلًّا للكفارِ.
وقد اختلفَ الناسُ في هذا - أيضًا - على قولينِ:
أحدُهما: أنه لو وصَّى الكافرُ بمالٍ للمسجدِ أو بمالٍ يعمر به مسجد أو يُوقَدُ
به، فإنه تُقْبَلُ وصيّتُه، وصرَّح به القاضي أبو يعلى في "تعليقه " في مسألةِ
الوقيد، وكلامُه يدلُّ على أنه محلُ وفاقٍ، وليس كذلك.
والثاني: المنعُ من ذلك، وأنه لا تُقبلُ الوصيةُ بذلكَ، وصرَّح به الواحديُّ
في "تفسيره" وذكره ابنُ مزين في كتابِ "سيرِ الفقهاءِ" عن يحيى بن يحيى.
قال: سمعتُ مالكًا، وسُئلَ عن نصراني أوْصَى بمالٍ تُكْسى به الكعبةُ؛ فأنكر
ذلكَ، وقال: الكعبةُ منزهةٌ عن ذلكَ.
وكذلك المساجدُ لا تجري عليها وصايَا أهل الكفرِ.
وكذلك قال محمدُ بنُ عبدِ اللَّهِ الأنصاري قاضي البصرةِ: لا يصحُّ وقفُ
النصرانيِّ على المسلمينَ عُمومًا، بخلافِ المسلم المعينِ، والمساجدُ من الوَقْفِ
على عمومِ المسلمين: ذكرَه حرْبٌ، عنه بإسنادِهِ.
وقال عبدُ اللَّهِ بنُ أحمد: سألتُ أبي عن المرأةِ الفقيرةِ تجيءُ إلى اليهوديِّ
أو النصرانيِّ فتصدق منه؟
قال: أخْشى أنَّ ذلك ذِلَّة.


الصفحة التالية
Icon