فعلامةُ تقديمِ محبةِ الرسولِ على محبةِ كلِّ مخلوقٍ أنَّه إذا تعارضَ طاعةُ
الرسولِ - ﷺ - في أوامر، وداع آخر يدعو إلى غيْرِها من هذه الأشياء المحبوبة، فإنْ قدَّم المرءُ طاعةَ الرسول، وامتثالَ أوامر على ذلكَ الداعِي، كان دليلاً على صحَّةِ محبتِهِ للرسولِ، وتقديمِها على كلِّ شيءٍ، وإن قدَّم على طاعتِهِ وامتثالِ أوامر شيئًا من هذه الأشياءِ المحبوبةِ طبعًا، دلَّ ذلك على عدمِ إتيانِهِ بالإيمانِ التامِّ الواجبِ عليه.
وكذلك القولُ في تعارضِ محبةِ اللَّهِ ومحبةِ داعِي الهوى والنفس، فإن
محبةَ الرسولِ تبعٌ لمحبةِ مرسلِهِ عزَّ وجلَّ.
هذا كلُّه في امتثال الواجباتِ، وتركِ المحرَّماتِ، فإن تعارضَ داعِي النفسِ.
ومندوباتِ الشريعةِ، فإنْ بلغتِ المحبةُ إلى تقديمِ المندوباتِ على دواعِي
النفسِ، كان ذلكَ علامةُ كمالِ الإيمانِ، وبلوغِهِ إلى درجةِ المقربينَ المحبوبين.
المتقربينَ بالنوافلِ بعد الفرائضِ.
وإنْ لم تبلغْ هذه المحبةُ هذه الدرجةِ، فهي درجةُ المقتصدينَ، أصحابِ
اليمينِ، الذين كملتْ محبتُهم الواجبةُ، ولم يزيدوا عليها.
* * *
وأما محبةُ الرسولِ، فتنشأ عن معرفتِهِ ومعرفةِ كمالِهِ وأوصافِهِ وعظم ما
جاءَ به، وينشأُ ذلكَ من معرفةِ مرسلِهِ وعظمتِهِ، كما سبقَ، فإنَّ محبةَ اللَّهِ لا
تتمُّ إلا بطاعتِه، ولا سبيلَ إلى طاعتِهِ إلا بمتابعةِ رسولِهِ، كما قال تعالى:
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ).