تعالى: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ).
وقد اختُلِفَ في تفسيرِ النَّسيء، فقالت طائفة: كانوا يُبدلُون بعضَ
الأشهرِ الحُرُم بغيرِها من الأشهرِ، فيحرِّمُونها بدلها، ويحلُّون ما أرادوا تحليلَه
من الأشهرِ الحُرُم إذا احْتاجُوا إلى ذلك، ولكن لا يزيدونَ في عددِ الأشهر
الهلالية شيئًا.
ثم من أهلِ هذه المقالةِ من قال: كانوا يُحلُّون المُحرَّمَ فيستحلون
القتالَ فيه؛ لطول مدَّة التَّحريم عليهم بتوالي ثلاثةِ أشهرٍ مُحرَّمةٍ، ثم يحرِّمونَ
صفَرًا مكانَهُ، فكأنَهم يقترضونَه ثم يوفونَه، ومنهم من قال: كانوا يحلُّون
المُحرَّمَ مع صَفَرٍ من عامٍ ويُسمُّونَهما صفَرينِ، ثم يحرِّمُونهما مم عام قابل
ويسمُّونهما محرَّمين قاله ابن زيدِ بنِ أسلمَ.
وقيل: بل كانوا رُبَّما احْتاجُوا إلى صفَرَ أيضًا فأحلُّوه وجعَلُوا مكانَه ربيعًا.
ثم يدورُ كذلك التَّحريمُ والتَّحليلُ والتأخيرُ، إلى أن جاء الإسلامُ ووافَقَ حجَّةَ
الوداع، صارَ رجوعُ التَّحريمِ إلى مُحرَّم الحقيقيّ، وهذا هو الذي رجَّحه
أبو عُبيد، وعلى هذا فالتَّغييرُ إنَّما وقع في عيْنِ الأشهُر الحُرُمِ خاصةً.
وقالت طائفةٌ أخرى: بلْ كانوا يزيدونَ في عددِ شهورِ السنة، وظاهرُ الآية يُشعر بذلك، حيث قال اللَّه تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا)، فذكرَ هذا توطئةً لهَدْمِ النَّسيءِ وإبطالهِ.
ثم مِنْ هؤلاءِ من قال: كانوا يجعلُون السنة ثلاثةَ عشرَ شهرًا، قاله مجاهدٌ
وأبو مالكٍ، قال أبو مالكٍ: كانوا يجعلون السنةَ ثلاثةَ عشرَ شهرًا، ويجعلونَ