وجعل اللَّه السنة اثني عشر شهرًا، كما قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ
اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كتَابِ اللَّهِ)، وذلكَ بعددِ البُروج التي تكمُلُ
بدورِ الشمسِ فيها السنةُ الشمسيَّةُ، فإذا دارَ القمر فيها كلِّها كمُلَتْ دورتُهُ السنويةُ، وإنما جعلَ اللَّهُ الاعتبارَ بدورِ القمرِ، لأنَّ ظهورَهُ في السماءِ لا
بحتاجُ إلى حسابٍ ولا كتاب، بل هو أمرٌ ظاهرٌ يُشاهدُ بالبصرِ، بخلافِ سيرِ
الشمس؛ فإنه تحتاجُ معرفته إلى حساب وكتابٍ، فلم يُحوِجْنا إلى ذلكَ، كما قال النبيُّ - ﷺ -:
"إنَّا أمَّةٌ أمِّيَّةٌ لا نكتبُ وَّلَا نحسُبُ، الشهرُ هكذا وهكذا وهكذا"
وأشارَ بأصابعِهِ العشْرِ، وخنَسَ إبهامَهُ في الثالثةِ.
"صُومُوا لرؤيتِهِ وأفطِرُوا لرؤيته، فإنْ غُمَّ عليكم فأكمِلُوا العدَّة"
وإنما علَّق اللَهُ تعالى على الشمس أحكامَ اليومِ من الصَّلاةِ والصِّيام، حيثُ كان ذلك أيضًا مشاهدًا بالبصرِ لا يحتاجُ إلى حسابٍ ولا كتابٍ، فالصلاةُ تتعلَّقُ بطلوع الفجر، وطلوع الشمسِ، وزوالها وغروبِها، ومصيرِ ظلِّ الشيء مثله. وغروبِ الشفقِ، والصيامُ يتوقَّتُ بمدة النهارِ من طلوع الفجرِ إلى غروبِ الشمسِ.
وقوله تعالى: (وَالْحِسَابَ)، يعني بالحسابِ: حسابَ ما يحتاج إليه النَّاسُ
من مصالح دينهم ودنياهم، كصيامِهِم، وفطرِهِم، وحجِّهم، وزكاتِهِم.
ونذورِهِم، وكفَّاراتِهِم، وعِددِ نسائِهم، ومُدَد إيلائِهم، ومُدَدِ إجاراتِهِم.
وحُلول آجال دُيونهم، وغير ذلك ممَّا يتوقَّتُ بالشهورِ والسنينَ.
وقد قال اللَّهُ عزَّ وجلَّ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)، فأخبر أنَّ الأهلَّةَ مواقيتُ للناسِ عمومًا، وخصَّ الحجَّ من بينِ ما