قال الحسنُ: إذا تجلَّى لأهلِ الجنةِ نسوا كلَّ نعيم الجنَّةِ.
وكان يقولُ: لو علمَ العابدونَ أنَّهم لا يرونَ ربَّهم في الآخرةِ لماتَوا.
وقال: إنَّ أحباءَ اللَّهِ هم الذينَ ورِثُوا طيبَ الحياةِ وذاقُوا نعيمَها بما وصلُوا
إليه من مُناجاةِ حبيبِهِم، وبما وجدُوا من حلاوةِ حبّه في قلوبِهِم، لا سيما إذا
خطر على بالِهِم ذكرُ مشافهتِهِ، وكشفُ ستورِ الحُجُبِ عنه في المقامِ الأمينِ
والسرورِ، وأراهُم جلالَهُ وأسمعَهُم لذَّةَ كلامِهِ ورد جواب ما ناجوه به أيامَ
حياتِهِم:
أملِي أن أراك يومًا من الدهرِ... فأشكُو لكَ الهوى والغلِيلا
وأناجيكَ من قربٍ وأُبْدِي... هذا الجَوى وهذا النُّحُولا
قال وهبٌ: لو خُيِّرتُ بين الرؤيةِ والجنةِ لاخترتُ الرؤيةَ.
رؤي بِشرٌ في المنامِ، فسُئلَ عن حالِهِ وحالِ إخوانِهِ، فقالَ: تركتُ فلانًا
وفلانًا ما بين يدي اللَّه يأكلانِ ويشربانِ ويتنعَّمانِ، قيل له: فأنتَ.
قال: علِمَ قلَّةَ رغبتِي في الطعامِ وأباحَنِي النظرَ إليه.
يا حبيبَ القلوبِ ما لي سواكَ ارحم اليومَ مذنبًا قد أتاكَا
أنتَ سُؤْلِي ومنيتِي وسُرورِي... طالَ شوقِي متى يكونُ لقاكَا
ليس سُؤْلِي من الجنانِ نعيمٌ... غيرَ أني أريدُهَا لأراكَا
قال ذو النونِ: ما طابتِ الدنيا إلا بذكره، ولا طابتِ الآخرةُ إلا بعفوه.
ولا طابتِ الجنةُ إلا برؤيتِهِ، ولو أنَّ اللَّه احتجبَ عن أهلِ الجنةِ لاستغاث أهلُ
الجنةِ من الجنةِ كما يستغيثُ أهلُ النارِ من النارِ.