فمثَّلَ النبيُّ - ﷺ - العلمَ والإيمانَ الذي جاء به بالغيثِ الذي يصيبُ الأرضَ، وهذا المثلُ كقوله تعالى: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا).
فمثَّلَ تعالى ما أنزلَهُ من العلم والإيمانِ إلى القلوبِ بالماءِ الذيَ أنزلَهُ من
السماءِ إلى الأرضِ، وهو سبحانه وتعالى يمثلُ العلمَ والإيمانَ تارةً بالماءِ كما
في هذه الآيةِ، وكما في المثل الثاني المذكورِ في أولِ سورةِ البقرةِ، وتارةً يمثله
بالنورِ كما في المثلِ المذكورِ في سورةِ النورِ، والمثلُ الأولُ المذكورَ في سورةِ
البقرةِ وكذلك في هذه الآيةِ التي في سورةِ الرعدِ، وذكر مثلاً ثانيًا يتعلقُ
بالنارِ وهو قولُهُ: (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ) فإن الماءَ والنورَ مادةُ حياةِ الأبدانِ، ولا يعيشُ حيوانٌ إلا حيثُ هما
موجودانِ، كما أنَّ العلمَ والإيمانَ مادةُ حياةِ القلوبِ وهما للقلوبِ كالماءِ
والنورِ، فإذا فقدهُما القلبُ فقد ماتَ.
وقولُهُ تعالى: (فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا)، شبَّه القلوبَ الحاملةَ للعلم
والإيمانِ بالأوديةِ الحاملةِ للسيلِ، فقلبٌ كبير يسعُ علمًا عظيمًا، كوادٍ كبيرٍ
يسع ماءً كثيرًا، وقلبٌ صغيرٍ يسعُ علمًا قليلاً، كوادٍ صغيرٍ يسعُ ماءً قليلاً.
فحملتِ القلوبِ من هذا العلم بقدرِهَا، كما سالتِ الأوديةُ من الماءِ بقدرِهَا.
فهذا تقسيم للقلوبِ بحسبِ ما يحملُهُ من العلم والإيمانِ إلى متسعِ
وضيق.
والًذي ذكره النبيُّ - ﷺ - في حديثِ أبي موسى تقسيمٌ لها بحسبِ ما يرِدُ