قوله تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩)
القصدُ في الفقرِ والغِنَى عزيزٌ، وهو حالُ الرسولِ - ﷺ - كانَ مقتصدًا في حالِ فقر وغناهُ، والقصدُ هو التوسطُ، فإنْ كان فقيرًا لم يُقتر خوفًا من نفادِ الرزقِ، ولم يسرفْ فيحملُ ما لا طاقةَ لهُ به، كما أدَّبَ اللَّهُ تعالى نبيَّه بذلكَ في قولهِ تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا).
وإنْ كان غنيًّا لم يحملْهُ على السرفِ والطغيانِ، بلْ يكون مقتصدًا أيضًا.
قال اللَهُ تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ دلِكَ قَوَامًا).
وإنْ كان المؤمنُ في حالِ غناهُ يزيدُ على نفقتِهِ في حالِ فقره، كما قالَ
بعضُ السلفِ: إنَّ المؤمنَ يأخذُ عن اللَّهِ أدبًا حسنًا إذا وسع اللَّهُ عليه وسعَ
على نفسِهِ وإذا ضيَّقَ عليه ضيَّقَ على نفسِهِ، ثم تلا قولَهُ تعالى:
(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ)، لكن يكون في حالِ غناهُ مقتصدًا غيرَ مسرفٍ، كما يفعلُهُ أكثرُ أهلِ الغِنى الذين يخرجُهم الغنى إلى الطغيانِ، كما قالَ تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (٧).
كان عليٌّ - رضي الله عنه - يعاتَبُ على اقتصادِهِ في لباسِهِ في خلافتِهِ فيقول: هو أبعدُ عن الكِبْرِ وأجدرُ أن يقتديَ بي المسلمُ.
وعوتبَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ في خلافتِهِ على تضييقِهِ على نفسِهٍ فقالَ: إنَّ