وإذا كرهتِ الصلاةُ إلى القبورِ وبينَها، فإن كانتِ القبورُ محترمةً اجْتُنِبَتِ
الصلاةُ فيها، وإن كانتْ غيرَ محترمةٍ كقبورِ مشركي الجاهليةِ ونحوِهِم ممَّن لا
عهدَ له ولا ذمَّة مع المسلمينَ، فإنه يجوزُ نبشُها ونقلُ ما يوجدُ فيها من
عظامِهِم، والصلاةُ في موضعِها، فإنها لم تبقَ مقبرةٌ ولا بقيَ فيها قبورٌ، وقد
نصَّ الإمامُ أحمدُ على ذلكَ في روايةِ المروزيِّ.
وأمَّا ما ذكرَهُ عن عُمرَ - رضي الله عنه -، فمن روايةِ سفيانَ، عن حميدٍ، عن أنسٍ، قالَ: رآني عمرُ وأنا أصلِّي إلى قبرٍ، فجعلُ يشيرُ إليَّ: القبرَ القبرَ.
ورواه إسماعيلُ بنُ جعفرٍ، عن حميدٍ، عن أنسٍ، حدَّثه أنه قامَ يصلِّي إلى
قبرٍ لا يشعرُ به، فناداه عمرُ: القبرَ القبرَ، قالَ: ففطننتُ أنَّه يقولُ: القمرُ.
فرفعتُ رأسي، فقال رجلٌ: إنَّه يقول: القبرُ، فتنحيتُ.
وروي عن أنسٍ، عن عمرَ من وجوهٍ أُخر.
وروى همامٌ: ثنا قتادةُ، أنَّ أنسًا مرَّ على مقبرةٍ وهم يبنون مسجدًا، فقالَ
أنسٌ: كان يكرهُ أن يبنى مسجدٌ في وسطِ القبورِ.
وقال أشعثُ: عن ابنِ سيرينَ: كانُوا يكرهونَ الصلاةَ بين ظهرانيِّ القبورِ.
خرَّج ذلكَ كلَّه أبو بكرٍ الأثرمُ.
وقال: سمعتُ أبا عبدِ اللَّهِ - يعني: أحمدَ - يُسألُ عن الصلاةِ في المقبرةِ؟
فكرَهَ الصلاةَ في المقبرةِ. فقيلَ له: المسجدُ يكونُ بين القبورِ، أيصلَّى فيه؟
فكره ذلك، قيل له: إنه مسجدٌ وبينه وبينَ القبورِ حاجزٌ؛ فكره أن يصلَّى فيه الفرضُ، ورخصَ أن يصلَّى فيه على الجنائزِ، وذكر حديثَ أبي مَرْثَدٍ الغَنويِّ، عن النبيِّ - ﷺ -، قالَ:
"لا تصلُّوا إلى القبورِ".
وقال: إسنادٌ جيد.