من عُهدةِ استقلالِ العبدِ بفعلهِ، وليحققَ العبدُ أنَّه لا يكونُ مما يعزم عليه العبدُ
ويقولُه من حل ونذرٍ وغيرِهِما إلا ما شاءَ اللَّهُ وأرادَهُ، ولهذا قالَ بعدَهُ: "ما
شئتَ كان وما لم تشأ لم يكنْ، ولا حول ولا قوَّةَ إلا بكَ، إنَّك على كلِّ شيءٍ قدير".
فتبرَّأ من حولِهِ وقوتِهِ ومشيئتِه بدون مشيئةِ اللَّهِ وحولِهِ وقوتِهِ، وأقرَّ لربِّه
بقدرتِهِ على كلِّ شيءٍ وأنَّ العبدَ عاجز عن كلِّ شيءٍ إلا ما أقدرَهَ عليه ربّه.
ففي هذا الكلامِ: إفرادُ الربِّ تعالى بالحولِ والقوةِ والقُدرةِ والمشيئةِ، وأنَّ
العبدَ غيرُ قادرٍ من ذلكَ كلِّه إلا على ما يقدره مولاهُ، وهذا نهايةُ توحيدِ
الربوبيةِ.
وللشافعيِّ من أبياتٍ شعر:
ما شئتَ كانَ وإنْ لم أشأْ... وما شئتُ إنْ لم تشأ لم يكنْ
وقد حملَ طائفة منهُم الإمامُ أحمدُ كلامَ ابنِ عباسٍ في تأويلِ الآيةِ على
وجهٍ آخرَ، وهو: أنَّ الرجلَ إذا قال: لا أفعلُ كذا وكذا، ثم أرادَ فعلَهُ فإنَّه
يستثنِي، ويقولُ: إن شاءَ اللَّهُ، ثم يفعلُهُ ويتخلَّصُ بذلكَ من الكذبِ إذا لم
يكنْ حلف على يمين.
وكان يحيى بنُ سعيدٍ القطانُ، إذا قالَ: لا أفعلُ كذا. لا يفعلُه أبدًا، فإذا
قيلَ له: لم تحلفْ؛ يقولُ: هذا أشدُّ - يعني الكذبَ - لو كنتُ حلفتُ كان
أهونُ، كُنتُ أكفِّرُ يميني وأفعلُهُ.
وسُئل الإمامُ أحمدُ عمَّن يقولُ: لا آكلُ ثم يأكلُ، قال: هو كذبٌ، لا
ينبغي أنْ يفعلَ ذلك.


الصفحة التالية
Icon