واللَّهُ سبحانهُ يحبُّ أن يُسألَ ويُرْغَبَ إليهِ في الحوائج، ويُلَح في سؤالِه
ودُعائِهِ، ويغضَبُ على من لا يسألُه، ويستدْعِي مِنْ عبادِهِ سؤالَهُ، وهو قادر
على إعطاءِ خلقِه كُلِّهِم سُؤْلَهُم من غيرِ أن يَنْقُصَ منْ ملكِهِ شيء، والمخلوقُ
بخلافِ ذلكَ كلِّه: يكرهُ أن يُسألَ، ويُحبُّ أن لا يُسألَ، لعجزِهِ وفقى
وحاجتِهِ. ولهذا قالَ وهبُ بنُ منبهٍ لرجلٍ كانَ يأتي الملوكَ: ويحكَ، تأتي من
يُغلِقُ عنكَ بابَه، ويُظهِرُ لك فقرَهُ، ويوارِي عنك غناهُ، وتَدعُ من يفتحُ لكَ
بابَه بنصفِ الليلِ ونصفِ النهارِ، ويُظهرُ لك غناهُ، ويقولُ: ادعُنِي أستجبْ
لكَ؟!.
وقالَ طاووس لعطاءٍ: إياكَ أن تطلبَ حوائجَكَ إلى من أغلقَ دونَكَ بابَهُ
ويجعلُ دونَهَا حجابَهُ، وعليكَ بمنْ بابُهُ مفتوحٌ إلى يومِ القيامةِ، أمركَ أن
تسألَهُ ووعدَكَ أن يُجيبَكَ.
وأما الاستعانةُ باللَّهِ عزَّ وجلَّ دونَ غيره من الخلقِ، فلأنَّ العبدَ عاجزٌ عن
الاستقلالِ بجلب مصالحِهِ، ودفع مضارِّهِ، ولا معينَ لهُ علَى مصالح دينِه.
ودنياهُ إلا اللَهُ عزًّ وجلَّ، فمنْ أعانَهُ اللَهُ، فهو المُعانُ، ومن خذَلَهُ فهو
المخذولُ، وهذا تحقيقُ معنى قولِ: "لا حولَ ولا قوَّةَ إلا باللَّهِ "، فإنَّ المعنى لا تحوُّلَ للعبدِ منْ حال إلى حالٍ، ولا قُوَّةَ له على ذلكَ إلا باللَّهِ، وهذه كلمة عظيمة وهي كنز من كنوزِ الجنةِ، فالعبدُ محتاج إلى الاستعانةِ باللَّهِ في فعلِ المأموراتِ، وتركِ المحظوراتِ، والصبرِ على المقدوراتِ كلِّها في الدنيا وعندَ الموت وبعدَهُ من أهوالِ البرزخ ويومِ القيامةِ، ولا يقدرُ على الإعانةِ على ذلكَ إلا الَلهُ عزَّ وجل، فمنْ حقَّقَ الاستعانةَ عليه في ذلكَ كلِّه أعانَهُ. وفي