ينظرُ إلى اللحم ويصبرُ. فلما غلبتْهُ نفسُهُ قالَ: وأيُّ شيءٍ أعملُ باسمِي.
وما كلبٌ إلا اسم حَسَنٌ فأكَلَ.
ولهذَا المَعْنَى: شبَّه اللَّهُ عالمَ السُّوءِ الَّذي لم ينتفعْ بعلمِهِ بالكلبِ " فقالَ
تعالَى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (١٧٧).
والمُرادُ بهذا المثلِ: أنَّ منْ لم يزجرْهُ علمُه عن القبيح، صارَ القبيحُ عادةً لهُ
ولم يؤثرْ فيه علمُه شيئًا، فيصيرُ حالُه كحالِ الكلبِ اللاهثِ " فإنَه إنْ طُرِدَ
لَهِثَ، وإنْ ترِكَ لَهِثَ، فالحالتانِ عنده سواءٌ.
وهذا أخسُّ أحوالِ الكلبِ وأبشعُهَا، فكذلكَ من يرتكبُ القبائح مع جهلِهِ
ومع علمِهِ، فلا يؤثِّرُ علمُه شيئًا" وكذلكَ مثل مَنْ لا يرتدع عن القبيح بوعظ
ولا زجرٍ ولا غيرِهِ.
فإنَّ فعلَ القبيح يصيرُ عادةً، ولا ينزجِرُ عنه بوعظٍ ولا تأديبٍ ولا تعليم.
بل هو متبعٌ للهَوى على كلِّ حالٍ، فهذا كل من اتَبعَ
هواهُ، ولم ينزجرْ عنهُ بوعظ ولا غيرِهِ.
وسواءٌ كانَ الهَوى المُتبَع داعيًا إلى شهوةٍ حسيةٍ، كالزنا والسرقة وشربِ
الخمرِ، أو إلى غضبٍ وحقدٍ وكبرٍ وحسدٍ، أو إلى شُبهةٍ مضلَّةٍ في الدِّينِ.
وأشدُّ ذلكَ: حالُ من اتَّبع هواهُ في شبهةٍ مضلةٍ، ثمَّ من اتبع هواهُ في
غضبٍ وكبرٍ وحقدٍ وحسدٍ، ثم من اتَّبع هواهُ في شهوةٍ حسيةٍ.