وكذا قال أبو صالح وغيرُه من السلفِ في قوله تعالى: (كَيفَ تَكْفرونَ
بِاللَّهِ وَكنتُمْ أَمْوَاتًا فَأحْيَاكمْ ثمَّ يمِيتكمْ ثمَّ يحْيِيكمْ ثمَّ إِلَيْهِ ترْجَعونَ)، فدلَّ
على أنَّ الحياةَ الأولى هي القبرُ للسؤالِ، وإنْ كانَ الأكثرونَ خالفُوا في ذلك.
فهؤلاء السلفُ كلُّهم صرَّحُوا بأن الروح تعادُ إلى البدنِ عند السؤالِ.
وصرَّح بمثلِ ذلك طوائفُ من الفقهاءِ والمتكلمينَ من أصحابِنا وغيرِهِم.
كالقاضي أبي يعْلى وأصحابِهِ، وأنكر ذلك طائفة منهم ابنُ حزمٍ وغيرُه.
وذكرَ أن السؤال للروح خاصةً، وكذلك سماعُ الخطابِ، وأنكر أن تعادَ الروحُ إلى الجسدِ في القبرِ للعذابِ وغيرِه، وقالُوا: لو كان ذلك حقًّا للزمَ أن يموتَ الإنسانُ ثلاثَ مراتٍ ويحيى ثلاثَ مراتٍ، والقرآنُ دلَّ على أنَهما موتتانِ وحياتانِ فقط، وهذا ضعيف جدًّا، فإنَّ حياةَ البرزخ ليستْ حياةً تامةً مستقلة كحياةِ الدنيا وكالحياةِ الآخرةِ بعدَ البعثِ، وإنما فيها نوعُ اتصالِ الروح في البدنِ بحيثُ يحصلُ بذلكَ شعورُ البدنِ وإحساس بالنعيم والعذاب وغيرِهما، وليستْ هي حياةً تامةً حتى يكونَ انفصالُ الروح به موتًا تامًّا، وإنًّما هو شبيهٌ بانفصالِ روح النائم عنه، ورجوعِها إليه، فإنَّ ذلك يسمَّى موتًا وحياةً.
كما كان النبيُّ - ﷺ - يقولُ إذا استيقظَ من منامِهِ: "الحمدُ للهِ الذي أحيانَا بعد ما أماتنا، وإليه النشور"
وسماه اللَّهُ تعالى وفاةً، لقوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى)، مع هذا فلا ينافي ذلكَ أن يكونَ النائمُ حيًّا، وكذلك اتصالُ روح الميتِ ببدنه وانفصالها عنه لا يوجبُ أن يصيرَ للميتِ