وأمثال ذلك، فهذا كلُّه نفيٌ لحقيقةِ الاسم منْ جهَةِ المُضِيِّ الذي يجب
اعتبارُه، فإنَّ اسمَ الرقوبِ والمفلسِ والغني والشديد ونحوِ ذلك إنَّما يتعارفُه
الناسُ فيمنْ عَدِمَ مالَهُ وولدَهُ أوْ حصلَ له مال أو قوَّةٌ في بدنِهِ، والنفوسُ تجزعُ من الأوَّلَيْن وترغب في الآخرَيْنِ، فيعتقدُ أنَّه هو المستحقُّ لهذا الاسم دونَ غير فبين - ﷺ - أنَّ حقيقةَ ذلك المعْنَى ثابتةٌ لغير هذا المتوهمِ على وجْهٍ ينبغي بعلو الاعتقاد والقصدِ بذلكَ الغيرِ فإن مَنْ عدِمَ المال والولدَ يومَ القيامةِ حيثُ يضرُ عدمُهُ أحقُّ باسم المفلس والرقوبِ ممن يُعدمهُمَا حيثُ قدْ لا يتضرر بذلكَ تضررًا معتبرًا ولذلك وجودُ غِنى النفسِ وقوتِها أحقُّ بالمدح والطلبِ منْ قوَّةِ البدنِ وغِنَى المال وهكذا قولُه - ﷺ -: " إنَّما الرِّبا في النسيئةِ" أوْ لا "رِبَا إلا في النسيئة".
فإنَّ الرِّبا العام الشاملُ للجنسينِ، والجنسُ الواحدُ المتفقةُ صفاتُهُ إنَّما
يكونُ في النسيئةِ وأمَّا رِبَا الفضلِ فلا يكونُ إلا في الجنسِ الواحدِ ولا يفعلُهُ
أحدٌ إلا إذا اختلفت الصفاتُ، كالمضروب بالتِّبْرِ، والجيدِ بالرديءِ، فأمَّا مع
استواءِ الصفاتِ فلا يبيعُ أحد دِرْهمًا بدرهمينِ، وأيضًا فرِبَا الفضلِ إنَّما حُرِّم
لأنه ذريعةٌ إلى رِبا النسيئة كما في "المسند" عن النبيِّ - ﷺ - أنه قال: "لاتبيعُوا الدرهمَ بالدرهمينِ، إنِّي أخافُ عليكُمُ الرِّبا".
فالربا المقصود بالقصد الأول هُوَ رِبَا النسيئةِ، فإذا بِيعَ مائة بمائةٍ وعشرينَ
مع اتَفاقِ الصفاتِ ظهرتْ أن الزيادةَ قابلتِ الأجلَ الذي لا منفعة فيه وإنَّما
دخل فيه للحاجة، ولهذا لا يضمنُ الآجال باليد فلو بقيت العينُ في يَده، أو
المال في ذمتِهِ مدةً لم يضمن الأجلَ بخلافِ زيادةِ الصفةِ، فإنَها مضمونةٌ في
الإتلافِ والغصْبِ وفي المبيع إذا قابلتْ غيرَ الجنسِ، فلهذا قِيلَ: إنَّما الرِّبا في


الصفحة التالية
Icon