للصائم، فكذا التألمُ بإسباغ الوضوءِ في البردِ، ويجبُ الصبرُ على الألم
بذلك، فإن حصلَ به رضى، فذلك مقامُ خواصِّ العارفين المحبينَ، وينشأ
الرضى بذلكَ عن ملاحظةِ أمورٍ:
أحدها: تَذَكُّرُ فضلِ الوضوءِ من حطِّه الخطايا ورفعِهِ الدرجاتِ، وحصولِ
الغرة والتحجيل به وبلوغ الحليةِ في الجنّة إلى حيث يبلغ، وهذا كما انكسرَ
ظفرُ بعضِ الصالحاتِ من السلفِ من عثرة عثرتْها فضحكتْ وقالتْ: أنسانِي
حلاوةُ ثوابِهِ مرارةَ وجعِهِ.
وقال بعضُ العارفينَ: من لم يعرفْ ثوابَ الأعمالِ
ثقلتْ عليه في جميع الأحوالِ.
الثاني: تَذَكُّرُ ما أعدَّه اللَّه عزَّ وجلَّ لمن عصاهُ من العذابِ بالبردِ والزمهريرِ
في الآخرةِ، فإنَّ شدةَ بردِ الدنيا يذكرُ زمهريرَ جهنم، وفي الحديث الصحيح: "إنَّ أشدَّ ما تجدونَ من البردِ من زمهريرِ جهنَّم "
فملاحظةُ هذا الألم الموعود يهونُ الإحساسَ بألم بردِ الماءِ كما رُوي عن زبيد الياميِّ أنه قام ليلةً للتهجدِ وكان البردُ شديدًا، فلمَّا أدخلَ يده في الإناءِ وجدَ شدةَ بردِهِ فذكرَ زمهرير جهنم، فلم يشْعُر ببردِ الماءِ بعد ذلك، وبقيتْ يدُه في الماءِ حتى أصبح، فقالتْ له جاريتُهُ: مالَكَ لم تصلِّ الليلةَ
كما كنتَ تصلِّي؟
فقال: إني لما وجدتُ شدةَ بردِ الماءِ ذكرتُ زمهريرَ جهنَّم فما شعرتُ به حتىَ أصبحتُ، فلا تخبري بهذا أحدًا ما دمتُ حيًّا.
الثالث: ملاحظةُ جلالِ مَنْ أمرَ بالوضوءِ، ومطالعةُ عظمتِهِ وكبريائهِ، وتذكرُ
التهيئ للقيامِ بين يديه ومناجاتِهِ في الصلاةِ، فذلك يهونُ كلَّ ألمٍ ينالُ العبدَ


الصفحة التالية
Icon