لم تنبعثِ الجوارحُ إلا إلى طاعةِ الربِّ، وهذا هو معنى الحديثِ الإلهيِّ الذي
خرَّجه البخاريُّ في "صحيحه " وفيه:
"ولا يزالُ عبدِي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافلِ حتَّى أحبَّه، فإذا أحببتُهُ كنتُ سمعَهُ الذي يسمعُ به وبصرَهُ الذي يبصرُ به، ويدَهُ التي يبطشُ بها، ورِجْلَهُ التي يمشِي بها" وقد قيل: إن في بعض الروايات:
"فبي يسمعُ وبي يبصرُ وبي يبطشُ وبي يمشي ".
والمعنى: أن محبةَ اللَّه إذا استغرقَ بها القلبُ واستولتْ عليه لم تنبعثِ
الجوارحُ إلا إلى مراضِي الربِّ، وصارتِ النفسُ حينئذ مطمئنةً بإرادةِ مولاها
عن مرادِها وهواها.
يا هذا، اعبدِ اللَّهَ لمرادِهِ منكَ لا لمرادِكَ منه، فمنْ عبدَهُ لمرادِهِ منه فهوَ ممن
يعبدُ اللَّهَ على حرْفٍ، إن أصابَهُ خيرْ اطمأنَّ به، وإن أصابتْهُ فتنة انقلبَ على
وجهه خسرَ الدنيا والآخرةَ، ومتى قويتِ المعرفةُ والمحبةُ لم يُرِدْ صاحبها إلا ما
يريدُ مولاهُ.
وفي بعضِ الكتب السالفةِ:
من أحبَّ اللَهَ لم يكنْ شيء عندَهُ آثرُ من رضاهُ، ومن أحب الدنيا لم يكنْ شيءٌ عندَه آثرُ من هوى نفسِهِ.
وروى ابنُ أبي الدنيا بإسنادِهِ عن الحسنِ قال: ما نظرتُ ببصرِي ولا نطقتُ
بلساني، ولا بطشتُ بيدي، ولا نهضتُ على قدمِي، حتى أنظر على طاعةِ
اللهِ أو على معصيتِهِ، فإنْ كانتْ طاعةً تقدمتُ، وإن كانتْ معصيةً تأخَّرْتُ.
هذا حالُ خَواصِّ المحبينَ الصادقينَ، فافهمُوا رحمكُمُ اللَّهُ هذا، فإنَّه من
دقائق أسرارِ التوحيدِ الغامضةِ.