والمقاربةُ: أن يُصيبَ ما قَرُبَ مِنَ الغرضِ إذا لم يُصِبِ الغرضَ نفسه.
ولكنْ بشرطِ أن يكونَ مصمِّمًا على قصدِ السَّدادِ وإصابةِ الغرضِ، فتكونُ
مقاربتُه عن غيرِ عمد.
ويدلُّ عليه قولُ النبيِّ - ﷺ - في حديثِ الحكم بنِ حزنٍ الكُلَفي:
"أيُّها النَّاس إنَّكم لنْ تعملُوا - أو لن تُطيقوا - كلَّ ما أمرتُكم، ولكنْ سدِّدُوا وأبشرُوا".
والمعنى: اقصِدُوا التَّسديدَ والإصابةَ والاستقامةَ، فإنَّهم لو سدَّدُوا في
العمل كله، لكانوا قد فعلُوا ما أُمِرُوا به كُلّه.
فأصلُ الاستقامةِ استقامةُ القلب على التوحيدِ، كما فسر أبو بكر الصدِّيق
وغيرُه قولَه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَ اسْتَقَاموا)، بأنَّهم لم يلتفتُوا
إلى غيرِه، فمتى استقامَ القلب على معرفةِ اللهِ، وعلى خشيتهِ، وإجلالهِ.
ومهابتهِ، ومحبتهِ، وإرادتهِ، ورجائهِ، ودعائهِ، والتوكُّلِ عليه، والإعراضِ عما سِواه، استقامت الجوارحُ كلُّها على طاعتهِ، فإن القلبَ هو ملك الأعضاءِ، وهي جنودُه، فإذا استقامَ الملكُ، استقامت جنودُه ورعاياه، وكذلك فسِّر قولُه عزَّ وجلَّ: (فَاَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا)، بإخلاصِ القصدِ للَّهِ وإرادتهِ وحدَه لا شريكَ له.
وأعظمُ ما يُراعى استقامتُه بعدَ القلبِ مِنَ الجوارح: اللسانُ، فإنَّه ترجمانُ
القلب والمعبِّرُ عنه، ولهذا لما أمرَ النبي - ﷺ - بالاستقامةِ، وصَّاه بعدَ ذلك بحفظِ لسانهِ، وفي " مسندِ الإمامِ أحمدَ " عن أنس، عن النبيّ - ﷺ - قال:
"لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتَّى يستقيمَ قلبُه.
ولا يستقيمَ قلبُه حتَّى يَّسَتقيمَ لسانُه ".