وقالَ العمريُّ الزاهدُ لمن طلبَ منه الوصيةَ: كما تحبُّ أن يكونَ اللَّهُ لكَ.
فهكذَا كنْ للَّهِ عز وجل.
وفي بعضِ الآثار: يقولُ اللَهُ:
"وعِزتي وجَلالي لا أطلعُ على قلبِ عبدٍ فأعلمُ أن الغالبَ عليه حبُّ التمسكِ بطاعتي، إلا توليتُ سياسَتَهُ وتقويمهُ ".
وفي بعضِ الكتبِ المتقدمةِ: يقولُ اللَّهُ عز وجل
"يا ابنَ آدمَ، ألا تعلمُنِي ما يضحككَ، يا ابنَ آدمَ، اتقني... (١) ونَمْ حيثُ شئتَ ".
والمعنى: أنكَ إذا قمتَ بما عليكَ للَّهِ من حقوقِ التقوى فلا تهتمَّ بعدَ ذلكَ
بمصالحكَ، فإن اللَّهَ هو أعلمُ بها منكَ، وهو يوصلُّهَا إليكَ على أتمِّ الوجوهِ
من غيرِ اهتمامٍ منكَ بِهَا.
وفي حديث جابرٍ - رضي الله عنه -، أن النبيَّ - ﷺ - قالَ: "من كانَ يحبُّ أن يعلمَ منزلتَهُ عندَ اللهِ، فلينظرْ كيفَ منزلةُ اللِّهِ عندَهُ، فإنَّ اللهَ ينزلُ العبدَ منه حيث أنزلَهُ من نفسِهِ ".
فهذا يدل على أنَّه على قدرِ اهتمامِ العبدِ بحقوقِ اللَّهِ ومراعاةِ حدودِهِ.
واعتنائه بذلكَ وحفظهِ لهُ يكونُ اعتناؤُه به وحفظُهُ لهُ، فمن كانَ غايةُ همَه
رِضَا اللًّهِ عنهُ وطلبَ قربِهِ ومعرفتِهِ ومحبتهِ وخدمتِهِ، فإنَّ اللَّهَ يكونُ له على
حسبِ ذلكَ كما قالَ تعالَى: (فَاذْكرُونِي أَذْكُركُمْ).
(وَأَوفُوا بِعَهْدِي أوفِ بِعَهْدِكُمْ)، بل هو سبحانَهُ أكرمُ الأكرمينَ.
فهو يجازِي بالحسنةِ عشرًا ويزيدُ، ومن تقرّبَ منه شبرًا تقرّبَ منه ذراعًا. ومن تقرّبَ منه ذراعًا ثقرّبَ منه باعًا، ومن أتاهُ يمشِي أتاهُ هرولةً.