الاستسلامِ أوِ الخوْفِ مِنَ القَتْلِ:
لقولِهِ عزَّ وجلَّ: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا).
فَإِذَا كانَ على الحقيقةِ فهُوَ علَى قولِهِ: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ).
وَقولِهِ: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ).
معنى هذا الكلامِ: أن الإسلامَ يُطلقُ باعتبارينِ.
أحدُهما: باعتبارِ الإسلامِ الحقيقيِّ، وهو دينُ الإسلامِ الذي قالَ اللَّهُ فيهِ:
(إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ).
وقال: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ).
والثاني: باعتبارِ الاستسلامِ ظاهرًا، مع عدمِ إسلامِ الباطنِ إذا وقَع خوفًا.
كإسلامِ المنافقينَ.
واستدلَّ بقوله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ).
وحملَهُ على الاستسلامِ خوفًا وتقيةً.
وهذا مرويٌّ عن طائفةٍ من السلفِ، منهم: مجاهدٌ وابنُ زيدٍ ومقاتلُ بنُ
حيانَ وغيرُهم.
وكذلك رجَّحه محمدُ بنُ نصرٍ المروزيُّ، كما رجَّحه البخاريُّ؛ لأنهما لا
يفرقانِ بينَ الإسلامِ والإيمانِ، فإذا انتفى أحدُهما انتفَى الآخرُ.
وهو اختيارُ ابنِ عبدِ البرِّ، وحكاهُ عن أكثرِ أهلِ السنةِ من أصحابِ مالكٍ