هذا جوابُ محمدِ بنِ المظفرِ الشاميّ الشافعيِّ. ثم كتبَ بعدَهُ موافقةً له
على فُتياه، جماعةٌ من أعيانِ فقهاءِ بغدادَ: من الشافعيةِ والحنفيّةِ والحنبليَّةِ في
ذلكَ الزَّمانِ، وهو عصرُ الأربع مائةَ.
وهذا يخالفُ قولَ كثيرٍ من الشافعيَّةِ، في حمل كلامِ الشافعي على كراهةِ التنزيهِ.
والمعنى المقتضِي لتحريمِ الغناءِ: أنَّ النفوسَ مجبولة على حُبِّ الشهواتِ.
كما قالَ تعالى: (زُيِنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النسَاءِ) الآية، فجعلَ
النساءَ أوّلَ الشهواتِ المزينةِ.
والغناءُ المشتملُ على وصفِ ما جُبلتِ النفوسُ على حبِّه، والشَّغفِ به - من الصُّوَر الجميلةِ - يُثيرُ ما كمنَ في النفوسِ من
تلك المحبّةِ ويُشوِّقُ إليها، ويُحرِّكُ الطبعَ ويزعجُه، ويخرجُه عن الاعتدالِ.
ويؤُزُّه إلى المعاصِي أزًّا.
ولهذا قِيل: إنه رقيةُ الزنا.
وقد افتُتن بسماع الغناء، خلقٌ كثيرٌ فأخرَّجَهُم استماعُه إلى العشقِ، وفُتنوا
في دينهِم، فلو لم يرِد نصٌّ صريح في تحريمِ الغناءِ بالشعرِ الذي تُوصفُ فيه
الصُّورُ الجميلة لكانَ محرَّمًا بالقياسِ على النظرِ إلى الصُّورِ الجميلةِ التي يحرمُ
النظرُ إليها بالشهوةِ، بالكتابِ والسنةِ وإجماع من يُعتدُّ به من علماءِ الأمةِ.
فإنَّ الفتنةَ كَما تحصُلُ بالنظرِ والمشاهدةِ، فكذلك تحصُلُ بسماع الأوصافِ.
واجتلائِها من الشعرِ الموزونِ المحرك للشهواتِ.
ولهذا نهى النبيُّ - ﷺ - أن تصفَ المرأةُ المرأةَ لزوجها، كأنّه ينظرُ إليها.
لِمَا يُخشى من ذلكَ من الفتنةِ.
وقد جعلَ النبيُّ - ﷺ - زِنا العينينِ النظرَ.
وزنا الأذنينِ الاستماع.
وقالَ أبو هريرةَ - رضي الله عنه -: ثلاث فاتناتٌ مُفتناتٌ يُكببنَ في