عن ذكرِ اللَّهِ، وعن الصَّلاةِ، كالخمرِ والميسرِ فإن فُرضَ وجُودُ رجلٍ يسْمعُه، وهو ممتَلئٌ قلبُه بمحبةِ اللَّهِ، لا يؤثرُ فيه شيءٌ من دَواعِي الهوى بالكليةِ، لم
يُوجبْ ذلك له خصوصًا، ولا للنّاسِ عمومًا. لأنّ أحكامَ الشريعةِ، تناطُ
بالأعمِّ الأغلبِ.
والنَّادرُ ينسحبُ عليه حكمُ الغالبِ، كما لو فُرض رجل تامُّ
العقلِ، بحيثُ لو شرِبَ الخمرَ، لم يُؤثرْ فيه ولم يقعْ فيه فساد، فإنَّ ذلك لا
يوجبُ إباحةَ الخمر له، ولا لغيرهِ. على أنَّ وجودَ هذا المفروضِ في الخارج.
في الصُّورتين: إما نادرٌ جدًّا أو ممتنعٌ متعذرٌ.
وإنما يظهرُ هذا السماعُ، على هذا الوجهِ، حيث جرّد كثير من أهلِ
السلوكِ الكلامَ في المحبةِ ولهجِوا بها، وأعرضُوا عن الخشيةِ.
وقد كانَ السلفُ الصالحُ يُحذِّرون منهمُ، ويفسِّقون من جرَّدَ، وأعرضَ عن الخشيةِ إلى الزندقةِ.
فإنَّ أكثرَ ما جَاءتْ به الرّسُلُ، وذكرَ في الكتابِ والسنةِ: هو خشيةُ
اللَّهِ وإجلالِهِ وتعظيمِهِ، وتعظيم حرماتِهِ وشعائِرهِ، وطاعتِهِ.
والأغاني لا تحرّكُ شيئا من ذلكَ، بلْ تُحدِثُ ضدَّهُ من الرعُونَةِ والانبساطِ
والشطح، ودعوى الوصُولِ والقُربِ، أو دعوى الاختصاصِ بولايةِ اللَّهِ التي
نسب اللَّهُ في كتابه دعواها إلى اليهودِ.
فأمَّا أهلُ الإيمانِ، فقد وصفهُم بأنَّهم
(يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وًّ قلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)، وفسَّر ذلكَ النبي - ﷺ - بأنَّهم: "يصومونَ ويتصدقونَ، ويصلُّون ويخشونَ أن لا يُتقبلَ منْهُم ".
وقد كانَ الصحابةُ - رضي الله عنهم - يخافونَ النفاقَ على نفوسِهم، حتَى قالَ الحسنُ: ما أمِنَ النفاقَ إلا منافقٌ، ولا خشِيَهُ إلا مؤمنٌ.


الصفحة التالية
Icon