بني النضير لم يتركُوا أرضَهم إلا بعد حصار ومحاربةٍ ولم ينزلوا من
حصونِهم إلا خشيةَ القتلِ ومع هذا فقد جعلَ اللَّه أرضَ بني النضير فيئًا.
وقوله تعالى: (فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلا رِكابٍ) تذكيرٌ بنعمةِ اللَّهِ
عليهم في أنَّهم لم يحتاجوا في أخذِ ذلك إلى كثير عملٍ ولا مشقةٍ، وقال
مجاهدٌ في قوله: (فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) قال: يذكرُهم
ربُّهم أنَّه نصرَهم بغيرِ كراع ولا عدةٍ في بني قريظةَ وخيبرَ.
خرَّجه آدم بن أبي إياسٍ عن ورقاءَ عن أبي نجيح عنه، ومعلوم أنَّ خيبرَ وقعَ فيها قتال لكن يسير فتكون الآية ُ كقوله: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) وحينئذ فإمَّا أن تكونَ الأرضُ تُستثنى من عمومِ قوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية، فيكونُ ذلك تخصيصًا من العامِّ، وإمَّا أن يكونَ هذا ناسخًا لحكم الأرضِ من آيةِ الغنيمةِ فإنَّ قصةَ بني النضير بعدَ قصةِ بدرٍ بالاتفاق والأشبهُ التخصيصُ إلا أنْ يقالَ: إنَّ قصةَ بدرٍ لم يدخُلْ فيها إلا المنقولات إذ لم يكنْ في غنيمةٍ بدرٍ أرضٌ، وهذا على قول من يَرى التخصيصَ بالسببِ ظاهرٌ، ومما يدل على تخصيصِ آيةِ الغنيمةِ بالمنقولاتِ، أنَ الله تعالى خصَّ هذه الأمة بإباحةِ الغنيمة كما ثبتَ ذلك عن النبي - ﷺ - من وجوه كثيرةٍ.
والذي خصتْ بإباحته هو المنقولاتُ دونَ الأرضِ، فإنَّ اللَّه تعالى أورثَ بني
إسرائيل أرضَ الكفارِ وديارَهُم ولم يكن ذلك ممتنعًا عليها، لأنَّ الأرضَ ليستْ
بداخلة في مطلقِ الغنيمةِ وإنَّما كان ممتنعًا عليهم المنقولاتِ، ولهذا كانُوا
يحرِّقونها بالنار وإنَّما خصَّ الغانمون من هذه الأمة بالمنقولاتِ دون الأرضِ.
لأنَّ قتالَهم وجهادَهُم للَّه عزَّ وجلَّ لا للغنيمةِ، وإنَّما الغنيمةُ رخصةٌ من اللَّهِ
تعالَى ورحمةٌ بهم فخصُّوَا بما ليسَ له أصل يبقى، وأما ما له أصلٌ يبقَى فإنه