ورجَّحهُ ابنُ حزمٍ وطائفةٌ من متأخرين المفسرينَ، كالبغويِّ وأبي عبدِ اللَّهِ
ابنِ تيميةَ وغيرِهما.
واستدلُّوا بقولهِ تعالَى - في المحاربينَ -: (ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا).
وقد يجابُ عن هذا، بأن ذكرَ عقوبةِ الدنيا والآخرةِ لا يلزمُ اجتماعهُما.
فقد دل الدليلُ على أن عقوبةَ الدنيا تسقطُ عقوبةَ الآخرةِ.
وأما استثناءُ الذينَ تابوا، فإنما استثناهُم من عقوبةِ الدنيَا خاصةً، ولهذا
خصَّهم بما قبلَ القدرةِ، وعقوبةُ الآخرةِ تندفعُ بالتوبةِ، قبلَ القدرةِ وبعدَها.
ويدل على أن الحدَّ يطهرُ الذنبَ: قولُ ماعزٍ للنبيِّ - ﷺ -: إني أصبت حدًّا، فطهرني.
وكذلك قالتْ له الغامديةُ، ولم ينكرْ عليهما النبيُّ - ﷺ - ذلكَ، فدلَّ على أن الحدَّ طهارةٌ لصاحبهِ.
ويدخلُ في قولِ النبيِّ - ﷺ -:
"من أصابَ شيئًا من ذلك، فعوقبَ به فى الدنيا فهو كفارتُه "
العقوباتُ القدريةُ، من الأمراضِ والأسقامِ.
والأحاديثُ في تكفيرِ الذنوبِ بالمصائبِ كثيرةٌ جدًّا.
وهذه المصائبُ يحصلُ بها للنفوسِ من الألم نظيرُ الألم الحاصلِ بإقامةِ
الحدِّ وربما زادَ على ذلكَ كثيرًا.
وقد يقالُ في دخولِ هذه العقوباتِ القدريةِ في لفظِ حديثِ عبادةَ نظرٌ.
لأنهُ قابلَ من عوقبَ في الدنيا سترُ اللهِ عليه، وهذه المصائبُ لا تنافي السترَ.
واللَّهُ أعلمُ.