وروى ابنُ أبي الدنيا وغيرُه عن أبي وائلٍ قالَ: خرجْنا معَ ابنِ مسعودٍ
ومعنا الربيعُ بنُ خُثَيم، فأتينَا على تنورٍ على شاطئ الفراتِ، فلمَّا رآهُ عبدُ اللَّهِ والنارُ تلتهبُ في جوفهِ قرأَ هذه الآيةَ (إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا) إلى قوله: (ثُبُورًا)، فصعقَ الربيعُ بنُ خثَيمٍ فاحتملناه
إلى أهلهِ، فرابطَهُ عبدُ اللَّهِ حتى صلَّى الناسُ الظهرَ فلم يُفقْ، ثم رابطَهُ إلى
العصرِ فلم يُفِقْ، ثم رابطَهُ إلى المغربِ فأفاقَ، فرجعَ عبدُ اللَّهِ إلى أهلهِ.
ومن روايةِ مسمع بنِ عاصم قالَ: بتُّ أنا وعبدُ العزيزِ بن سليمانَ وكلابُ
ابنُ جريٍّ وسلمانُ الأعرجُ على ساحلٍ من بعضِ السواحلِ، فبكَى كلاب
حتى خشيتُ أن يموتَ، ثم بكى عبدُ العزيزِ لبكائِهِ ثم بكَى سلمانُ لبكائهِمَا.
وبكيتُ - واللَّهِ - لبكائِهم لا أدْرِي ما أبكَاهُم، فلما كانَ بعدُ سألتُ عبدَ العزيزِ فقلتُ: يا أبا محمدٍ ما الذي أبكاك ليلتئذٍ؟
قالَ: إنَي - واللَّهِ - نظرتُ إلى أمواج البحرِ تموجُ وتجيلُ، فذكرتُ أطباقَ النيرانِ وزفراتِها، فذلكَ الذي أبكاني.
ثم سألتُ كلابًا أيضًا نحوًا مما سألتُ عبدَ العزيز، ِ فواللَّهِ؛ لكأنّما
سمعَ قصتَهُ، فقال لي مثلَ ذلكَ، ثم سألتُ سلمانَ الأعرجَ نحوًا مما سألتُهما.
فقالَ لي: ما كانَ في القومِ شرّ منّي، ما كانَ بُكائي إلا لبكائِهم رحمةً لهم مما
كانُوا يصنعونَ بأنفسِهِم - رحمهُمُ اللَّهُ تعالى.
* * *