النُّبوَّاتِ، كما كان عندَ أهلِ الكتابِ، فمنَّ اللَّه عليهم بهذا الرسول وبهذا
الكتاب، حتى صاروا أفضلَ الأمم وأعلمَهم، وعرفُوا ضلالةَ منْ ضلَّ من
الأمم قبلَهم.
وفي كونِهِ منهم فائدتان:
إحداهما: أنَّ هذا الرَّسول كان أيضًا أميًّا كأمَّتهِ المبعوثِ إليهم، لم يقرأْ كِتابًا
قطُّ، ولم يخُطهُ بيمينهِ، كما قال اللَّه تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) الآيات، ولا خرجَ عن ديارِ قومهِ فأقامَ عندَ
غيرِهم حتَّى تعلَّم منهم شيئًا، بلْ لم يزل أُميًّا بين أمَّةٍ أمّيَّةٍ، لا يكتُبُ ولا يقرأُ
حتى كمَّلَ الأربعينَ من عُمره، ثمَّ جاءَ بعد ذلكَ بهذا الكتابِ المبين، وهذه
الشريعةِ الباهرةِ، وهذا الدِّينِ القيِّم، الذي اعترفَ حُذَّاقُ أهل الأرضِ
ونُظَّارُهُم أنَّه لم يقرع العالمَ ناموسٌ أعظمُ منه.
وفي هذا بُرهان ظاهر على صدقه.
والفائدة الثانية: التنبيهُ على أنَّ المبعوثَ فيهم - وهم الأمِّيُّون خُصوصًا أهل
مكَّةَ - يعرفُونَ نسبهُ، وشرفهُ، وصدقهُ، وأمانتهُ، وعفتهُ، وأنَّه نشأ بينهُم
معروفًا بذلك كلِّه، وأنَّه لم يكذبْ قطُّ؛ فكيفَ كان يدعُ الكذبَ على النَّاسِ
ثم يفترِي الكذبَ على اللَّه عزَّ وجل، وهذا هو الباطِلُ، ولذلك سأل هِرقلُ
عن هذه الأوصافِ، واستدل بها على صدقِهِ فيما ادَّعاهُ من النّبَوةِ والرِّسالةِ.
وقوله: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ)، يعني: يتلُو عليهم ما أنزل اللَّهُ عليه
من آياتهِ المتلُوةِ، وهو القرآنُ، وهو أعظمُ الكُتبِ السَّماويَّةِ.
وقد تضمَّنَ من العلومِ والحكم، والمواعظِ، والقصصِ، والترغيبِ والترهيبِ، وذكرِ أخبارِ منْ سبقَ، وأخبارِ ما يأتي مِن البعثِ والنُّشور والجنَّةِ والنَّارِ، ما لم يشتمِلْ عليه كتابٌ غيرُهُ، حتَّى قالَ بعضُ العلماءِ: لو أنَّ هذا الكتابَ وُجِدَ مكتوبًا في