فقد أنكرَ أبو ذرٍّ مَن فسر السعي بشدةِ الجري والعدْوِ، وبينَ أنَّ المشيَ إليها
سعيٌ؛ لأنه عمل، والعملُ يُسمَّى سعيًا، كما قالَ تعالى: (إِنَّ سَعْيكُمْ لَشَتَّى)
وقال: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا)، ومثلُ هذا كثيرٌ
في القرآن.
وبهذا فسَّرَ السعيَ في هذه الآية التابعونَ فمن بعدَهم، منهم: عطاءٌ.
ومجاهدٌ، وعكرمةُ، وقتادةُ، ومحمدُ بنُ كعبٍ، وزيدُ بنُ أسلمَ، ومالكٌ.
والثوريُّ، والشافعي وغيرُهم.
وروي عن ابنِ عباسٍ - أيضًا - من وجهٍ منقطع.
ومنهم مَن فسَّر السعيَ بالجري والمسابقةِ، لكنه حملَه على سعي القلوبِ
والمقاصدِ والنياتِ دون الأقدامِ، هذا قولُ الحسنِ.
وجمع قتادةُ بين القولينِ - في رواية -، فقال: السعيُ بالقلبِ والعملِ.
وكان عثمانُ وابنُ مسعود وجماعةٌ من الصحابة يقرءونَها: "فامضُوا إلى
ذكرِ اللَّهِ ".
وقال النخعيُّ: لو قرأتُها (فَاسْعَوْا) لسعيتُ حتى يسقط ردائي.
ورُويَ هذا الكلامُ عن ابنِ مسعودٍ من وجهٍ منقطع.
المسألةُ الثالثةُ: في تحريمِ البيع وغيرِه مما يشتغلُ به عن السعي بعدَ النداءِ.
وقد حُكي عن ابنِ عباسٍ تحريم البيع وغيرِه.
وروى القاضِي إسماعيلُ في كتابه "أحكام القرآنِ " من رواية سليمانَ بنِ
معاذٍ، عن سماكٍ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ، قالَ: لا يصلحُ البيعُ يومَ
الجمعةِ حين ينادَى بالصلاةِ، فإذا قُضِيتِ الصلاةُ فاشترِ وبِعْ.