قالَ: وقال آخرونَ: التبديلُ في الآخرةِ: جعلت لهم مكانَ كلِّ سيئةٍ حسنةً
منهم: عمرُو بنُ ميمون، ومكحولٌ، وابنُ المسيبِ، وعليٌّ بنُ الحسينِ، قالَ: وأنكرهُ أبو العاليةَ، ومجاهدٌ، وخالد سبلان، وفيه موضعُ إنكارٍ، ثم ذكرَ ما حاصلهُ: أنه يلزمُ من ذلكَ: أن يكونَ مَن كثرتْ سيئاتُهُ أحسن حالاً ممن قلَّتْ سيئاتُه، حيثُ يُعطى مكانَ كلِّ سيئةٍ حسنةً.
ثم قالَ: ولو قال قائل: إنما ذكرَ اللَّهُ أن يُبدلَ السيئاتِ حسناتٍ ولم يذكرِ العددَ كيفَ تبدَّل فيجوزُ أن معنى تبدَّلُ: أن من عملَ سيئةً واحدةً وتابَ منها تبدَّلُ مائةَ ألفِ حسنةٍ، ومن عملَ ألفَ سيئة أن تبدَّل ألفَ حسنةٍ، فيكونُ حينئذٍ مَنْ قلَّت سيئاتُهُ أحسنُ حالاً.
قلتُ: هذا القولُ - وهو التبديلُ في الآخرةِ - قد أنكرَهُ أبو العاليةَ، وتلا
قولَهُ تعالَى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا)، وردّه بعضُهم بقولِه تعالَى:
(وَمَن يَعْمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، وقولهِ تعالَى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (٤٩).
ولكن قد أُجيبَ عن هذا: بأنَّ التائبَ يُوقفُ على سيئاتهِ؛ ثمَّ تبدَّلُ
حسناتٍ، قالَ أبو عثمانَ النهديُ: إن المؤمنَ يُؤتَى كتابهُ في سَتْرٍ من اللَّه عزّ
وجلّ، فيقرأُ سيئاتهِ، فإذَا قرأَ تغيَّر لها لونُه حتَّى يمرَّ بحسناتِهِ، فيقرؤُها فيرجعُ
إليه لونُه، ثم ينظرُ فإذا سيئاتُه قد بُدلمتْ حسناتٍ، فعندَ ذلكَ يقولُ: (هَاؤُمُ
اقرَءُوا كتَابِيَهْ).
ورواهُ بعضُهم عن أبي عثمانَ عن ابنِ مسعودٍ، وقالَ بعضُهم: عن أبي
عثمانَ عن سلمانَ.