وتعلَّق بعضُهَم لهذا الحديثِ بحديثِ جابرٍ المخرج في هذا البابِ.
وقال طائفة: تنعقدُ الجمُعةُ بما تنعقدُ به الجماعةُ، وهو رجلانِ، وهو قولُ
الحسنِ بنِ صالح وأبي ثورٍ - في روايةٍ - وداودَ، وحُكيَ عن مكحولٍ.
وتعلَّق القائلونَ بالأربعينَ بحديثِ كعبِ بنِ مالكٍ، أنَّ أولَ جمُعةٍ جمَّع
بهم أسعدُ بنُ زرارةَ، كانوا أربعينَ، وقد سبقَ ذكرُه في أولِ "كتابِ الجمُعةِ".
وقد ذكرَ القاضي أبو يعلَى وغيرُه وجهَ الاستدلالِ به: أنَّ الجمُعةَ فُرضت
بمكةَ، وكان بالمدينةِ من المسلمينَ أربعة وأكثرُ ممَّن هاجر إليها وممَّن أسلم بها.
ثم لم يصلُّوا كذلك حتى كملَ العددُ أربعينَ، فدلَّ على أنها لا تجبُ على أقل
منهم، ولم يُثبتْ أبو بكرٍ الخلالُ خلافَه عن أحمد في اشتراطِ الأربعينَ.
قال: وإنما يُحْكَى عن غيرِه، أنه قال بثلاثة، وبأربعةٍ، وبسبعةٍ، ولم يذهبْ
إلى شيء من ذلك، وهذا الذي قاله الخلالُ هوَ الأظهرُ. واللَّهُ أعلمُ.
وفي عددِ الجمُعةِ أحاديثُ مرفوعةٌ، لا يصحُّ فيها شيء، فلا معنى
لذكرِها.
وإذا تقرَّر هذا الأصلُ، فمَن قالَ: إن الجمُعةَ تنعقدُ باثني عشرَ رجلاً أو
بدونِهم، فلا إشكالَ عنده في معنى حديثِ جابرٍ؛ فإنه يحملُه على أن النبيَّ
- ﷺ - صلَّى الجمُعَة بمَن بقي معَه، وصحتْ جمعتُهم.
ومَن قال: لا تصحُّ الجمعةُ بدون أربعينَ، فإنه يشكلُ عليه حديثُ جابرٍ.
وقد أجاب بعضُهم: بأن الصحيحَ أنهم انفضُّوا وهو في الخطبة.
قال: فيحتملُ أنهم رجعُوا قبلَ الصلاةِ، أو رجعَ مَن تمَّ به الأربعونَ، فجمًّع بهم.
قال: والظاهرُ أنهم انفضُّوا ابتداءً سوى اثني عشرَ رجلاً، ثم رجعَ منهم تمامُ


الصفحة التالية
Icon