(وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ).
فوصفَهُم بحسنِ الأجسامِ وتمامِهَا، وحسنِ المقامِ والفصاحةِ حتَّى وإعجاب
به، ومع هذا فبواطِنُهم خرابٌ ومعائنُهم فارغةٌ. فلهذا مثلَهم بالخشبِ المسندةِ
التي لا روحَ لها ولا إحساسَ وقلوبُهم مع هذا ضعيفةٌ في غايةِ الضعفِ.
(يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ).
وهكذَا كلُّ مريب يُظْهِرُ خلافَ ما يضمرُ يخافُ من أدْنى شيءٍ ويتحسَّرُ
عليهِ.
وأما المؤمنونَ فبعكسِ هذه الصفاتِ حالُهم مستضعفونَ في ظاهرِ أجسامِهم
وكلامِهم لأنَّهم اشتغلُوا بعمارةِ قلوبهِم وأرواحِهم عن عمارةِ أجسادهم.
وبواطنُهم قويةٌ ثابتةٌ عامرةٌ فيكابدونَ بها الأعمال الشاقة في طاعةِ اللًّهِ من
الجهادِ والعباداتِ والعلومِ وغيرِها ممَّا لا يستطيعُ المنافقُ مكابدتَه لضعفِ قلبِهِ.
لا يخافونَ من ظهورِ ما في قلوبهِم إلا خشيةَ الفتنةِ على نفوسهم وإنَّ
بواطِنَهُم خيرٌ من ظواهرِهِم وسرهم أصلحُ من علانيتِهِم.
قال سليمان التيمي: أتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي فقالَ: يا سليمانُ إنَّ قُوتَ المؤمنِ
في قَلبْهِ ".
فالمؤمنُ لمَّا اشتغلَ بعمارةِ قلبِهِ عن عمارةِ قالبِهِ استُضْعِفَ ظاهرُهُ
وربما أُوذي، ولو علمَ الناسُ ما في قلبهِ لما فعلُوا ذلكَ.
قال عليٌّ - لأصحابه: "كونوا في النَّاسِ كَالنَحْلِ في الطَّيْرِ يستضعفُهَا ولوْ
علمُوا مَا في جَوفهَا مَا فعلُوا".
من قوةِ قلبِ المؤمنِ وثباتهِ على الإيمانِ.
فالإيمانُ الذي في قلبِهِ مَثَلُه كمثَلِ شجرة طيبةٍ أصلُها ثابتٌ وفرعُها في
السماءِ فيعيشُ على الإيمانِ ويموتُ ويُبعثُ عليهِ، وإنَّما الرياحُ وهي بلايا