ومن كثرتْ سيئاتُه يُقَلَّلُ من حسناتهِ، فحديثُ أبي ذرٍّ صريحٌ في ردِّ هذا، وأنه يُعطى مكانَ كلِّ سيئةٍ حسنةً.
وأما قولُه: يلزمُ من ذلكَ أن يكونَ من كثرت سيئاتُه أحسنَ حالاً ممن قلَّت
سيئاتُهُ، فيقالُ: إنما التبديلُ في حقِّ مَنْ ندمَ على سيئاته، وجعلَهَا نصبَ
عينيهِ، فكلَّما ذكرَه ازدادَ خوفًا ووجلاً وحياءً من اللًّهِ، ومسارعةً إلى
الأعمالِ الصالحةِ المكفرةِ كَمَا قالَ تعالى: (إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا)، وما ذكرناهُ كله داخلٌ في العمل الصالح، ومن كانتْ هذه حالُهُ.
فإنَّه يتجرعُّ من مرارةِ الندمِ والأسفِ على ذنوبِهِ أضعاف ما ذاق من حلاوتها
عند فعلها، ويصير كل ذنبٍ من ذنوبه سببًا لأعمالٍ صالحةٍ ماحيةٍ له، فلا
يُستنكرُ بعد هذا تبديلُ هذه الذنوبِ حسناتٍ.
وقد وردت أحاديثُ صحيحةٌ صريحةٌ في: أن الكافرَ إذا أسلم وحَسُنَ
إسلامُه تبدَّلت سيئاتُه في الشِّرك حسناتٍ، فخرَّج الطبراني من حديثِ
عبدِ الرحمنِ بنِ جبيرِ بنِ نفيرٍ عن أبي فروةَ شطبٍ: أنه أتى النبيَّ - ﷺ - فقالَ: أرأيتَ رجلاً عَمِلَ الذنوبَ كُلَّها، ولم يتركْ حاجةً ولا داجةً، فهل له مِنْ توبة؟
فقالَ: " أسلمتَ؟ " قال: نَعم، قال: "فافعل الخيراتِ، واتركِ السيئاتِ.
فيجعلُها اللَهُ لك خيراتٍ كلَّها".
قالَ: وغَدَرَاتي وفَجَراتي؛ قالَ: "نعم ".
قال: فما زال يُكبِّرُ حتَّى توارَى.
وخرَّجه من وجهٍ آخرَ بإسنادٍ ضعيف عن سلمةَ بنِ نفيل، عن النبيِّ - ﷺ -.
وخرَّج ابنُ أبي حاتمٍ نحوَهُ من حديثِ مكحولٍ مرسلاً، وخرَّجَ البزار


الصفحة التالية
Icon