فما استجلبَ العبدُ من اللَّهِ ما يحبُ، واستدفعَ منه ما يكره، بأعظمَ من
اشتغالِهِ بطاعةِ اللَّهِ وعبادتهِ وذكرِه، وهو حقيقةُ الإيمانِ، فإن اللَّهَ يدفع عنِ
الذين آمنوا.
وفي "الترمذيِّ "، عن أبي سعيدٍ، عن النبيّ - ﷺ -، قال: "يقُولُ الربُّ عزَّ وجلَّ: مَن شغلَهُ القرآنُ وذكرِي عن مسألتِي أعطيتهُ أفضلَ ما أُعطِي السائِلِينَ ".
وقال بعضُ التابعينَ: لو أطعتمُ اللَّهَ ما عصاكُم.
يعني: ما منعكُم شيئًا تطلبونَهُ منه.
وكان سفيانُ يقولُ: الدعاءُ تركُ الذنوبِ.
يعني: الاشتغالَ بالطَّاعَةِ عن المعصية.
وأما قولُه تعالى: (مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكمْ)، فيه للمفسرينَ قولان:
أحدهما: أن المرادَ: لولا دعاؤُكم إيَّاه.
فيكونُ الدعاءُ بمعنى الطاعةِ، كما ذكرنَا.
والثاني: لولا دعاؤُه إياكُم إلى طاعتِهِ، كمَا في قولهِ تعالَى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، أي: لأدعوهُم إلى عِبادَتي.
وإنما اختلف الفسرون في ذلكَ لأنَّ المصدرَ يضافُ إلى الفاعلِ تارةً، وإلى
المفعولِ أُخرى.


الصفحة التالية
Icon