ثم اعتكفَ العشرَ الأوسطَ، ثم قالَ: "إني أُتيتُ، قيلَ لي: إنها في العشر الأواخر - فمن أحبَّ منكُم أن يعتكفَ فليعتِكفْ "، فاعتكفَ الناسُ معه.
وهذا يدلُّ على أنَّ ذلكَ منه قبلَ أن يتبين لهُ أنَّها في العشر الأواخر، ثم
لمَّا تبين له ذلك اعتكفَ العشرَ الأواخرَ حتَّى قبضَه اللَّه عزَّ وجلَّ، كما رواه
عنه عائشة وأبو هريرة وغيرُهما.
ورُوي أنَّ عمرَ - رضي الله عنه - جمعَ جماعةً من الصحابةِ، فسألهم عن ليلةِ القدرِ، فقالَ بعضُهم: كنَّا نراها في العشرِ الأوسطِ، ثم بلغنا أنها في العشرِ الأواخر.
وخرَّج ابنُ أبي عاصم في كتاب "الصيام " وغيرُه من حديث خالدِ بن
محدُوج، عن أنيى: أنَّ النبيَّ - ﷺ - قالَ:
"التمسُوها في أوَل ليْلَةٍ، أو في تسعٍ، أو في أربع عشرةَ".
وخالدٌ هذا فيه ضعفٌ، وهذا يدلُّ على أنَّها تُطلبُ في ليلتين
من العشرِ الأوَل، وفي ليلة من العشر الأوسطِ، وهي أربع عشرةَ، وقد
سبق من حديث واثلة بن الأسقع مرفوعًا:
"إن الإنجيلَ أنزِل لثلاث عشرة من رمضانَ ".
وقد ورد الأمر بطلب ليلةِ القدْر في النصفِ الأواخرِ من رمضانَ.
وفي أفراد ما بقي من العشرِ الأوسطِ من هذا النصف، وهما ليلتانِ: ليلةُ
سبعَ عشرةَ، وليلةُ تسعَ عشرةَ.
أمَّا الأولُ: فخرَّجه الطبراني، من حديثِ عبدِ اللَّهِ بن أُنيسٍ، أنه سألَ
النبيَّ - ﷺ - عن ليلةِ القدر، فقالَ:
"رأيتُها ونسيتُها، فتحرَّها في النّصفِ الأواخرِ".
ثم عادَ فسالهُ، فقال: "التمسْها في ليلةِ ثلاثٍ وعشرين تَمضِي من الشهرِ".