وعلَتْ كلمةُ اللَّهِ وتوحيدُه، وَذُلَّ أعداؤهُ من المشركينَ وأهلِ الكتاب، وكان ذلكَ في السنةِ الثانيةِ من الهجرةِ؛ فإن النبيَّ - ﷺ - قدمَ المدينةَ في ربيع الأولِ في أول سنةٍ من سني الهجرةِ، ولم يُفرضْ رمضان في ذلكَ العامِ، ثم صامَ عاشوراءَ، وفُرضَ عليه رمضانُ في ثاني سنةٍ، فهو أوَّل رمضان صامهُ وصامَه المسلمون معه.
ثم خرَجَ النبي - ﷺ - لطلبِ عيرٍ من قريش قدمتْ من الشامِ إلى المدينةِ في يوم السبتِ لاثنتي عشرةَ ليلةً خلتْ من رمضانَ، وأفطرَ - ﷺ - في خروجهِ إليها.
قال ابنُ المُسيّب: قال عُمر: غزونَا مع رسولِ اللَّه - ﷺ - غزوتينِ في رمضانَ يومَ بدْرٍ، ويومَ الفتح، وأفطرنَا فيهما، وكان سببُ خروجِه حاجةَ أصحابِه، خصوصًا المهاجرين (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨).
وكانتْ هذه العِيرُ فيها أموالٌ كثيرةٌ لأعدائِهِم الكفار الذينَ أخرجُوهم من ديارِهم وأموالِهم ظُلمًا وعُدوانًا، كما قالَ اللَّهُ تعالى:
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ).
فقصدَ النَبيُّ - ﷺ - أن يأخذ أموالَ هؤلاء الكفار الظالمين المعتدين على أولياءِ اللَّهِ وحزبه وجندهِ، فيردَّها على أولياءِ اللَّه وحزبهِ المظلومينَ المخرجينَ من ديارِهِم وأموالِهِم ليتقوُّوا بها على عبادةِ اللَّهِ وطاعتِهِ وجهادِ أعدائِهِ، وهذا مما أحلَّه اللَّهُ لهذه الأمَّة؛ فإنَّه أحلَّ لهم الغنائمَ، ولم تحل لأحدٍ قبلَهم، وكان عدَّةُ من معهُ ثلثمائة وبضعةَ عشرَ، وكانوا على عدَّةِ أصحابِ طالُوتَ الذين جازُوا معه النهرَ، وما جازَه معه إلا مؤمنٌ.