وكان عدوُّ اللَّه إبليسُ قد جاء إلى المشركينَ في صورةِ سُراقةَ بن مالكٍ.
وكانت يدُهُ في يدِ الحارث بن هشامٍ، وجعل يُشجعهم ويعدُهم ويمنَيهم، فلمَّا
رأى الملائكةَ هربَ وألقى نفسه في البحر.
وقد أخبرَ اللَّهُ عن ذلك بقوله تعالى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٤٨).
وفي "الموطأ" حديثٌ مرسلٌ عن النَّبيِّ - ﷺ - قال:
"ما رُؤِي الشَّيطانُ أحقرَ ولا أدحَر ولا أصغرَ من يوم عرفَةَ، إلا ما أُرِي يوْمَ بدر".
قيل: وما رأى يومَ بدرٍ؟
قال: "رأى جبريلَ يزعُ الملائكة"، فإبليس عدوُّ اللَّهِ يسعَى جهدَه في إطفاءِ نورِ اللَّه وتوحيدهِ، ويُغرِي بذلك أولياءَه من الكفَّار والمنافقين، فلمَّا عجزَ عن ذلكَ بنصرِ اللَّهِ نبيَّه وإظهارِ دينه على الدِّينِ كُلِّه، رضِيَ بإلقاءِ الفتن بين المسلمينَ.
واجْتَزَى منهُم بمحقرَاتِ الذنوبِ حيثُ عجزَ عن ردِّهم عن دينهِم؛ كما قالَ
النبيُّ - ﷺ -:
"إنَّ الشيطانَ قد أيسَ أن يعبدهُ المصلُّونَ في جزيرةِ العربِ، ولكن في
التحريشِ بينَهمُ ".
خرَّجهُ مسلمٌ من حديثِ جابرٍ، وخرَّج الإمامُ أحمدُ والنسائيُّ والترمذيُّ وابنُ ماجةَ من حديثِ عمروِ بنِ الأحوصِ، قالَ:
سمعتُ النبيَّ - ﷺ - يقولُ في حجةِ الوداع:
"ألا أنَّ الشَّيطانَ قد أيسَ أن يُعبدَ في بلدكُم هذا أبدًا، ولكنْ سيكونُ له طاعةٌ في بعضِ ما تحتقرُون من أعمالُكم، فيرضَى بها".