على هذهِ النعمةِ، كَمَا صَلَّى النبيُّ - ﷺ - يومَ فتح مكةَ ثماني ركعاتٍ، وكذلكَ صَلَّى سعد يومَ فتح المدائنِ، وكانتْ تُسَمَّى: صلاةُ الفتح.
وأمَّا عُمَرُ وابنُ عباسٍ فَقَالا: بلْ كانَ مجيءُ النَّصرِ والفتح علامةَ اقترابِ
أجلهِ، وانقضاءِ عُمرِه، فأُمِرَ أنْ يختمَ عملَه بذلكَ، ويتهيأ للقاءِ اللَّهِ، والقدومِ عليهِ على أكْمَلِ أحوالِهِ وأتمِّها، فإنَّه لمَّا جاءَ نصرُ اللَّهِ والفتحُ بحيثُ صارت مكة دارَ إسلام، وكذلكَ جزيرةُ العربِ كُلُّها، ولمْ يبْقَ بِهَا كافر، ودخلَ الناسُ في دينِ اللَّهِ أفواجًا.
وقد بلَّغ رسولُ اللَّهِ - ﷺ - رسالاتِ ربِّه، وعلَّمَ أمتَهُ مناسكَهُم وعباداتِهم، وتركَهُم على البيضاءِ، ليلُها كنهارِهَا، ولم يبقَ لهُ من الدُّنيا حاجةً، فحينئذ تهيّأ للنَّقلةِ إلى الآخرةِ فإنَّها خير لَهُ مِنَ الأُولى، ولهذَا نزلتْ: (الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكمْ) بِعَرَفةَ.
وعلَّمَ الأمةَ مناسِكَهُم، وقالَ لَهُم: "لَعَلِّي لا أراكم بَعْدَ عامِي هَذا".
وقالَ لَهُم: "هَلْ بَلَّغتُ؟ "، قالُوا: نَعَمْ، وأشهدَ اللَّهَ عليهم بذلكَ، وودعًّ
النَاسَ فقالُوا: هذه حَجَّةُ الوداع.
وقدْ خُيِّرَ - ﷺ - بينَ الدنيا وبين لقاء ربِّه، فكانَ آخرَ ما سُمِعَ منه: "اللهمَّ الرفيقَ الأعْلَى".
ونظيرُ هذا الفهم الذي فهمَهُ عمرُ مِنْ هذهِ السورةِ ما فهمَهُ أبو بكر مِنْ