فقالَ: إني أُصِبحُ بين نعمةٍ وذنْبٍ فأحدِثُ للنعمةِ حَمْدًا، وللذنبِ استغفارًا.
فأنا مشغولٌ بذلكَ، فقالَ الحسنُ: الزمْ مَا أنتَ عليهِ، فأنتَ عنْدِي أفقهُ مِنَ
الحسَنِ.
والاستغفارُ: هوَ خاتمةُ الأعمالِ الصالحةِ، فلِهَذَا أُمرَ النبيُّ - ﷺ - أنْ يجعلَهُ خاتمةَ عُمْره.
كما يُشرعُ لمصلِّي المكتوبةِ أنْ يستغفرَ عَقِبَها ثلاثًا، وكَمَا يُشرعُ للمتهجِّدِ
مِنَ الليلِ أنْ يستَغْفِرَ بالأسْحَارِ قالَ تعالَى: (وَبِالأَسحَارِ هُمْ يسنتَغْفِرُونَ)
وقالَ: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)، وكَمَا يُشرعُ الاستغفارُ عُقَيْبَ الحجِّ قالَ تعالَى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩).
وكما يُشْرعُ ختمُ المجَالِسِ بالتسبيح والتحميد والاستغْفَارِ وهُوَ كفارةُ
المجلسِ، وروي أنه يَخْتِمُ بِهِ الوضوءَ أيضًا. َ
وسببُ هَذَا أنَّ العبادَ مُقصِّرُونَ عن القيام بحقوقِ اللَّهِ كَمَا يَنبْغِي، وأدائِهَا
على الوجهِ اللائقِ بجلالهِ وعظمتِهِ، وإنَّما يؤدُّونَها علَى قَدْرِ مَا يطيقُونَهُ.
فالعارفُ يَعْرِفُ أنَّ قَدْرَ الحقِّ أعْلَى وأجلُّ مِنْ ذلكَ، فهُوَ يَسْتَحِي مِنْ عملِهِ
ويستغفرُ مِنْ تقصير فيهِ كَمَا يستغفرُ غيرُهُ مِنْ ذنوبِهِ وَغَفَلاتِهِ، وكُلَّما كانَ
الشخصُ باللَّهِ أعرفَ كانَ له أخوف، وبرؤيةِ تقصيرهِ أبصرُ، ولهذا كانَ خاتمُ المرسلينَ وأعرفُهم بربَ العالمينَ - ﷺ - يجتهدُ في الثناءِ على ربِّه، ثُمَّ يقولُ في


الصفحة التالية
Icon