عبدت على الإفصاح به، وعدل عن لفظه لتضمين معنى آخر فيه، وكان ذلك أكثر في الفائدة وأولى بالحكمة، لأنه دل على (عبدت) دلالة التضمين من جهة التقابل، وعلى معنى (أعبد) دلالة التصريح باللفظ.
فإن قال قائل: فهلاّ قيل ما عبدت ليتقابل اللفظ كما تقابل المعنى؟
قيل: هو في حكم التقابل في اللفظ من حيث هو دال عليه إلا أنه عدل عن
الإفصاح به للإشعار بأن معبوده واحد كيف تصرفت الحال وكان هذا أبعد من الإيهام أن معبوده فيما مضى غير معبوده فيما يستقبل.
ويجوز في الماضي والم ستقبل أن يقع أحدهما موقع الآخر إذا كان في الكلام
دليلٌ عليه نحو ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ﴾ على معنى ينادون.
فإن قال قائل:
مهلاً فهلاّ دل على اختلاف المعنى باختلاف اللفظ إذ هو الأصل في حسن
البيان؟.
قيل له: إن التقابل يقع في ذلك قد صيّر اللفظ في حكم المختلف، لأنه مقيد
به، ودلالة المقيد خلاف دلالة المطلق نحو: زيد قائم بالتدبير على خلاف معنى زيد قائم.
فإن قال قائل: فهلاّ دل ذلك من أصول مختلفة إذ هو أدل على خلاف
المعنى بصريح الجهة؟.
قيل له: إنه لما أريد نفي العبادة على تصريف الأحوال صرف لفظ العبادة
لتصريف المعنى، ولم يصلح فيه أصول مختلفة، لئلا يوهم النفي معنى آخر غير
تصرف عبادة الله على الوجوه والأسباب كلها، وكان تصريف لفظ العبادة