بَابُ ذِكْرِ أَخْلَاقِ مَنْ يَقْرَأُ عَلَى الْمُقْرِئِ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: مَنْ كَانَ يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِهِ وَيَتَلَقَّنُ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْسِنَ الْأَدَبَ فِي جُلُوسِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ،  وَيَتَوَاضَعَ فِي جُلُوسِهِ،  وَيَكُونَ مُقْبِلًا عَلَيْهِ،  فَإِنْ ضَجِرَ عَلَيْهِ احْتَمَلَهُ،  وَإِنْ زَبَرَهُ احْتَمَلَهُ وَرَفَقَ بِهِ،  وَاعْتَقَدَ لَهُ الْهَيْبَةَ،  وَالِاسْتِحْيَاءَ مِنْهُ،  وَأُحِبُّ أَنْ يَتَلَقَّنَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَضْبِطُ،  هُوَ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ،  إِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ فِي التَّلْقِينِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ خَمْسٍ،  فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ الزِّيَادَةَ،  وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَلَقَّنَ إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ،  لَمْ يَسْأَلْ أَنْ يُلَقِّنَهُ خَمْسًا،  فَإِنْ لَقَّنَهُ الْأُسْتَاذُ ثَلَاثًا لَمْ يَزِدْهُ عَلَيْهَا،  وَعَلِمَ هُوَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ خَمْسًا سَأَلَهُ أَنْ يَزِيدَهُ،  عَلَى أَرْفَقَ مَا يَكُونُ،  فَإِنْ أَبَى لَمْ يَزِدْهُ بِالطَّلَبِ،  وَصَبَرَ عَلَى مُرَادِ الْأُسْتَاذِ مِنْهُ،  فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ،  كَانَ هَذَا الْفِعْلُ مِنْهُ دَاعِيًا لِلزِّيَادَةِ لَهُ مِمَّنْ يُلَقِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُضْجِرَ مَنْ يُلَقِّنُهُ فَيَزْهُوَ فِيهِ،  وَإِذَا لَقَّنَهُ شَكَرَ لَهُ ذَلِكَ،  وَدَعَا لَهُ،  وَعَظَّمَ قَدْرَهُ،  وَلَا يَجْفُو عَلَيْهِ إِنْ جَفَا عَلَيْهِ،  وَيُكْرِمُ مَنْ يُلَقِّنُهُ إِنْ هُوَ لَمْ يُكْرِمْ،  وَتَسْتَحِي مِنْهُ إِنْ كَانَ هُوَ لَا يَسْتَحِي مِنْكَ،  تُلْزِمُ أَنْتَ نَفْسَكَ وَاجِبَ حَقِّهِ عَلَيْكَ،  فَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَعْرِفَ حَقَّكَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْقُرْآنِ أَهْلُ خَيْرٍ وَتَيَقُّظٍ وَأَدَبٍ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ عَلَى أَنْفُسِهِمْ،  فَإِنْ غَفَلَ عَنْ وَاجِبِ حَقِّكَ،  فَلَا تَغْفُلْ عَنْ وَاجِبِ حَقِّهِ،  فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَمَرَكَ أَنْ تَعْرِفَ حَقَّ الْعَالِمِ وَأَمَرَكَ بِطَاعَةِ الْعُلَمَاءِ،  وَكَذَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ