خَلَقَ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ عَجَائِبِ حِكْمَتِهِ فِي خَلْقِهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَوْتَ وَعَظِيمَ شَأْنِهِ وَذَكَرَ النَّارَ وَعَظِيمَ شَأْنِهَا وَذَكَرَ الْجَنَّةَ وَمَا أَعَدَّ فِيهَا لِأَوْلِيَائِهِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لِذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: ٣٧] فَأَخْبَرَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَنَّ الْمُسْتَمِعَ بِأُذُنَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُشَاهِدًا بِقَلْبِهِ مَا يَتْلُو وَمَا يَسْمَعُ؛ لِيَنْتَفِعَ بِتِلَاوَتِهِ لِلْقُرْآنِ وَبِالِاسْتِمَاعِ مِمَّنْ يَتْلُوهُ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَثَّ خَلْقَهُ عَلَى أَنْ يَتَدَبَّرُوا الْقُرْآنَ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: ٢٤] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلًافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢] قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: أَلَا تَرَوْنَ رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى مَوْلَاكُمُ الْكَرِيمِ كَيْفَ يَحُثُّ خَلْقَهُ عَلَى أَنْ يَتَدَبَّرُوا كَلَامَهُ، وَمَنْ تَدَبَّرَ كَلَامَهُ عَرَفَ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَرَفَ عَظِيمَ سُلْطَانِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَعَرَفَ عَظِيمَ تَفَضُّلِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَعَرَفَ مَا عَلَيْهِ مِنْ فَرْضِ عِبَادَتِهِ فَأَلْزَمَ نَفْسَهُ الْوَاجِبَ، فَحَذِرَ مِمَّا حَذَّرَهُ مَوْلَاهُ الْكَرِيمُ، وَرَغِبَ فِيمَا رَغَّبَهُ فِيهِ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ عِنْدَ تِلَاوَتِهِ لِلْقُرْآنِ وَعِنْدَ اسْتِمَاعِهِ مِنْ غَيْرِهِ، كَانَ الْقُرْآنُ لَهُ شِفَاءً فَاسْتَغْنَى بِلَا مَالٍ، وَعَزَّ بِلَا عَشِيرَةٍ، وَأَنِسَ بِمَا يَسْتَوْحِشُ مِنْهُ غَيْرُهُ، وَكَانَ هَمُّهُ عِنْدَ التِّلَاوَةِ لِلسُّورَةِ إِذَا افْتَتَحَهَا مَتَى أَتَّعِظُ بِمَا أَتْلُو؟ وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ مَتَى أَخْتِمُ السُّورَةَ؟ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ مَتَى أَعْقِلُ عَنِ اللَّهِ الْخِطَابَ؟