ذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا هُوَ، عِنْدَنَا، مِنْ قَوْلِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ، وَعَلى ظَاهِرِ نَفْيِ الْجُنَاحِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا﴾ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى نَفْيِ الْحَرَجِ عَنْهُمَا فِي الْمُرَاجَعَةِ، فَحُمِلَ مَعْنَى: ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾، عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا فَكَانَ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ وُقُوفِهَا عَلَى، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ، لِأَنَّهُ
لَيْسَ لِأَحَدٍ التَّخَلُّفُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَعَلَهُ مِنْ سُنَنِهِ، كَمَا لَيْسَ لِأَحَدٍ التَّخَلُّفُ عَمَّا قَدْ جَعَلَهُ مِنْ سُنَنِهِ فِي الْحَجِّ سِوَى ذَلِكَ كَطَوَافِ الصَّدَرِ، وَكَطَوَافِ الْقُدُومِ، وَكَالصَّلَاةِ عَلَى إِثْرِ الطَّوَافِ، وَكَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ سُنَنِهِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الَّتِي لَا يُرَخَّصُ لِلْحَاجِّينَ وَلَا الْمُعْتَمِرِينَ فِي تَرْكِهِمَا فِي حَجِّهِمْ، وَلَا فِي عُمَرِهِمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ بِعَقِبِ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾، تِبَاعًا سُنَّةً لِذَلِكَ: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ بِهِمَا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنَ التَّطَوُّعِ الَّذِي قَدْ أَمَرَ بِهِ فِيهِمَا قِيلَ لَهُ: لَيْسَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْتَ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا وَصَفْتَ لَكَانَ الطَّوَافُ بَيْنَهُمَا قُرْبَةً، وَكَانَ لِلنَّاسِ أَنْ يَطَّوَّعُوا بِالطَّوَافِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا حَاجِّينَ، وَلَا مُعْتَمِرِينَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا فِي غَيْرِ الْحَجِّ، وَفِي غَيْرِ الْعُمْرَةِ، لَيْسَ مِمَّا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعِبَادُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا مِمَّا يَتَطَوَّعُونَ لَهُ بِهِ، وَأَنَّ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ لَا مَعْنَى لَهُ، وَلَا قُرْبَةَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَجٍّ أَوْ فِي عُمْرَةٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَكِنَّهُ رَجَعَ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ﴾، أَيْ مَنْ تَطَوَّعَ بِحَجٍّ
أَوْ عُمْرَةٍ، ﴿فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾


الصفحة التالية
Icon