وَقَالَتْ عَائِشَةُ: " يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَفِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ أَخَّرْنَاهَا لِنَذْكُرَهَا عِنْدَ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾، مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ هَذَيْنِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ بِالرَّضَاعِ مِنَ الرَّجُلِ وَمِنَ الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي الْحُرْمَةِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حُكْمِ الْحُرْمَةِ بِالْأَنْسَابِ، وَالْأَرْحَامِ الْمُحَرَّمَاتِ وَمِمَّا يَدُلُّ أَنَّ كُلَّ ذِي رَضَاعٍ لوَ كَانَ مَكَانَ النَّسَبِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ الرَّضَاعُ ذَا نَسَبٍ يَحِلُّ لَهُ بِهِ السَّفَرُ بِالْمَرْأَةِ، أَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ مِنَ الرَّضَاعِ حَلَّ لَهُ السَّفَرُ بِهَا، وَحَلَّ لَهَا السَّفَرُ مَعَهُ، فَهَكَذَا نَقُولُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَخُوفًا عَلَيْهَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهَا الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ جَمِيعًا، وَهَكَذَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِمَّا لَمْ نَجِدْ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِنَا هَذَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾، وَمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ مِمَّا يُرَادُ بِهِ مِنَ الشُّهُورِ، وَيَتْلُو ذَلِكَ مِنَ الْآيَةِ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾، وَكَانَ يَعْنِي قَوْلُهُ جَلَّ وَتَعَالَى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾، أَيْ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْحَجَّ فِيهِنَّ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ جَلَّ وَتَعَالَى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾، أَيْ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ
فِيهِنَّ، كَانَ ذَلِكَ الْإِيجَابُ فِيهِنَّ أَوْ قَبْلَهُنَّ، لِأَنَّ الْحَجَّ الَّذِي يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا فِيهِنَّ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْحَجَّ فِيهِنَّ، فَيَكُونُ عَنِيَ الْإِيجَابَ وَالْحَجَّ جَمِيعًا فِيهِنَّ، وَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فِيهِنَّ﴾، أَيْ فِي بَعْضِهِنَّ، لِأَنَّ الْإِيجَابَ الَّذِي أَرَادَ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿فِيهِنَّ﴾ إِنْ كَانَ الْحَجَّ، فَإِنَّ الْحَجَّ إِنَّمَا يَكُونُ فِي بَعْضِ أَحَدِهِنَّ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْإِحْرَامُ فَإِنَّمَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَيْضًا فِي سَاعَةٍ مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَلَمْ نَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فِيهِنَّ﴾، أَيْ فِي جَمِيعِهِنَّ، وَلَا أَوْجَبَ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَنْ يُحْرِمَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ حَتَّى يَكُونَ فِي شُهُورِ الْحَجِّ كُلِّهَا مُحْرِمًا بِالْحَجِّ


الصفحة التالية
Icon