الَّذِي كَانَ دَخَلَ فِيهِ، لَا مَا سِوَاهُ مِمَّا قَدْ فَاتَهُ مِنْهُ وَكَيْفَ يَكُونُ مُعْتَمِرًا بِغَيْرِ تَلْبِيَةٍ يَسْتَأْنِفُهَا وَيَدْخُلُ بِهَا فِي الْعُمْرَةِ؟ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ أَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ حَتَّى طَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَحَلَقَ، أَنَّهُ قَدْ حَلَّ، وَقَضَى مَا عَلَيْهِ مِمَّا يُوجِبُهُ فَوَاتُ الْحَجِّ عَنْهُ إِلَّا مَا يُوجِبُهُ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ مَنْ يُوجِبُهُ عَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ وَأَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَيهِ، وَمَا يَدْخُلُ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِيهِ، وَمَا يَصِحُّ فِي ذَلِكَ بِآثَارٍ أَوْ بِقِيَاسٍ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ: يُحِلُّ بِعُمْرَةٍ، أَيْ يُحِلُّ بِمِثْلِ مَا يُحِلُّ بِهِ الْمُعْتَمِرُ، وَإِنْ كَانَ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ ذَلِكَ لِلْحَجِّ الَّذِي قَدْ فَاتَهُ، لَا لِعُمْرَةٍ يَأْتَنِفُهَا، أَوَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أُمِرَ أَنْ يُلَبِّيَ لَهَا إِلَى وَقْتٍ مَا، فَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تَقُولُ: إِلَى اسْتِلَامِ الْحَجَرِ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: إِلَى أَنْ يَرَى عُرُوشَ مَكَّةَ؟ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ وَمَا رُوِيَ فِيهِ، وَمَا يُوجِبُهُ الْقِيَاسُ فِيهِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ
وَالَّذِي يَفُوتُهُ الْحَجُّ لَا يُلَبِّي قَبْلَ دُخُولِهِ مَكَّةَ حَتَّى يَرَى عُرُوشَهَا فِي قَوْلِ الَّذِينَ يُوجِبُونَ ذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمِرِ، وَلَا يُلَبِّي بَعْدَ دُخُولِ مَكَّةَ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ فِي قَوْلِ الَّذِينَ يُوجِبُونَ ذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمِرِ، أَوَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ، فَأَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ أُمِرَ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا إِلَى الْحِلِّ حَلَالًا فَيُحْرِمَ بِهَا مِمَّا هُنَاكَ، ثُمَّ يَدْخُلَ إِلَى الْحَرَمِ فِي حُرْمَتِهَا، وَهَذَا الَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ إِلَى الْحَرَمِ بَعْدَ فَوَاتِ الْحَجِّ إِيَّاهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْحِلِّ حَتَّى يُلَبِّيَ مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُعْتَمِرُ، وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَيَحْلِقَ، فَيَحِلُّ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فِي قَوْلِ الطَّائِفَةِ الَّتِي تُوجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَدَلَّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ قَدْ فَاتَتْهُ أَعْمَالُ الْحَجِّ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَمِنَ الْإِقَامَةِ بِمِنًى وَبعَرَفَةَ، وَبِالْمُزْدَلِفَةِ، وَذَلِكَ فِيمَا إِذَا فَاتَ لَمْ يُقْضَ، لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ، وَلَمْ يُطْلَقْ لِلنَّاسِ أَنْ يَفْعَلُوهُ إِلَّا فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ وَفِي الْحَجِّ أَشْيَاءُ سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ تُحْصَرْ بِأَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ، وَهِيَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأُمِرَ الَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ بِأَنْ يَفْعَلَ مِنَ الْحَجِّ مَا لَا وَقْتَ لَهُ مَعْلُومًا، ثُمَّ يَحْلِقَ، فَيَحِلُّ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُؤْمَرْ أَنْ يَفْعَلَ مَا فَاتَهُ وَقْتُهُ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ عَامِلًا قَائِلًا، فَيَفْعَلُ فِيهِ مَا قَدْ فَاتَهُ فِي حَجِّهِ الْأَوَّلِ مِمَّا لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ إِلَّا وَهُوَ حَرَامٌ، وَأُمِرَ مَعَ ذَلِكَ بِأَنْ يَأْتِيَ
بِتَمَامِ الْحَجِّ، لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ الْحَجَّ لَمْ يَصْلُحْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ إِلَّا مِثْلَ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْخَارِجُ مِنَ


الصفحة التالية
Icon