وَسلم تَظَاهَرَ وَقْتًا مَعْلُومًا، وَالظِّهَارُ طَلاقٌ، إِذْ كَانَ الطَّلاقُ لَا تَحْصُرُهُ الأَوْقَاتُ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَلا تَرَى أَنَّ رَجُلا لَوْ جَعَلَ امْرَأَتَهُ طَالِقًا الْيَوْمَ، إِنَّها تَكُونُ طَالِقًا فِيمَا بَعْدَ الْيَوْمِ وَسَلَمَةُ فَإِنَّمَا كَانَ ظَاهَرَ مِنَ امْرَأَتِهِ شَهْرَ رَمَضَانَ فَتَكُونُ حَرَامًا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ خَاصَّةً، لَا فِيمَا بَعْدَهُ، فَفِي قَصْدِهِ إِلَى ذَلِكَ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ كَانَ حِينَئِذٍ غَيْرَ الطَّلاقِ، وَلَمْ يَكُنِ الطَّلاقُ قَطُّ غَيْرَ الظِّهَارِ حَتَّى نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآيَةُ، فَثَبَتَ بِمَا وَصَفَهَا أَنَّ نُزُولَهَا كَانَ قَبْلَ تَظَاهُرِ سَلَمَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بَعْدَ هَذَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾، وَفِي ذَلِكَ الْعَوْدِ مَا هُوَ فَقَالَ قَوْمٌ، فِيمَا ذَكَرُوا، بِظَاهِرِ الآيَةِ، وَجَعَلُوا مَنْ قَالَ لامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، غَيْرَ مُظَاهِرٍ مِنْهَا حَتَّى يَعُودَ لِذَلِكَ الْقَوْلِ مَرَّةً أُخْرَى فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُتَظَاهِرًا، وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الآيَةِ وَقَالَ آخَرُونَ: إِذَا
قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، صَارَ بِذَلِكَ مُظَاهِرًا، وَحَرُمَتْ بِهِ عَلَيْهِ حُرْمَةَ الظِّهَارِ الَّتِي ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ جِمَاعُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ بِالْكَفَّارَةِ الَّتِي أَمَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالُوا: قَوْلُهُ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، عَوْدٌ إِلَى مَا قَدْ قِيلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِمَّا قَدْ نَهَى الله عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ وَسَمَّاهُ: ﴿مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا﴾، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾، عَلَى مَعْنَى: ويَعُودُونَ لِمَا قَالُوا، لأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَجْعَلُ مَكَانَ الْوَاوِ: ثُمَّ، كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ﴾، فِي مَعْنَى: وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ، وَجَعَلُوا نَفْسَ الْقَوْلِ عَوْدًا، كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾، فِي مَعْنَى: حَتَّى صَارَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي بَدَنِهِ كَمَا عَادَ، وَإِنَّمَا صَارَ كَمَا عَادَ إِلَيْهِ وَكَمَا قَالَ أَبُو رَبِيعَةَ الثَّقَفِيُّ فِي أَبْيَاتِهِ