وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا فِيهِ، فَوَجَدْنَا الْبِيَاعَاتِ جَائِزَاتٍ عَلَى الأَبْدَالِ الْعَاجِلَةِ، وَعَلَى الأَبْدَالِ الآجِلَةِ، وَوَجَدْنَا النِّكَاحَاتِ وَالْخُلْعَ كَذَلِكَ وَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ إِلا بِأَجَلٍ غَيْرِ السَّلْمِ، فَإِنَّهُمْ جَمِيعًا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَالا غَيْرَ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ ذَهَبَ إِلَى إِجَازَتِهِ حَالا وَلَمَّا كَانَ حُكْمُ الْمُكَاتَبَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا فِيهِ تَمْلِيكُ الْمُكَاتِبِ كَسْبَهُ بِعِوَضٍ يُتَعَوَّضُ عَلَيْهِ، كَانَ حُكْمُهُ بِحُكْمِ الْبِيَاعَاتِ أَشْبَهَ فَلَمَّا جَازَ عَقْدُ الْبِيَاعَاتِ عَلَى الأَيْمَانِ الْعَاجِلَةِ وَعَلَى الأَيْمَانِ الآجِلَةِ، جَازَ فِي عَقْدِ الْمُكَاتَبَاتِ عَلَى الأَمْوَالِ الْعَاجِلَةِ وَالآجِلَةِ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا فِي هَذَا الْبَابِ وَاللهُ أَعْلَمُ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُكَاتَبَةِ إِذَا وَقَعَتْ عَلَى مَا تَجُوزُ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبَةُ، مَتَى يُعْتَقُ بِهَا الْمُكَاتَبُ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُعْتَقُ بِعَقْدِ الْمُكَاتَبَةِ، وَتَكُونُ الْمُكَاتَبَةُ عَلَيْهِ دَيْنًا وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا فَاسِدٌ، وَلَمْ نَجِدْ لَهُ إِمَامًا قَالَ بِهِ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ إِسْنَادًا وَذَلِكَ عِنْدَنَا غَيْرُ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بَلْ قَدْ وَجَدْنَا عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلافَهُ مِمَّا نَحْنُ ذَاكِرُوهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى فَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ غَيْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَدْفَعُ هَذَا الْقَوْلَ
٢٠٣٩ - فَمِمَّا حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ لإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ، وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ " قَالَ سُفْيَانُ: سَمِعْتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَثَبَّتَنِيهُ مَعْمَرٌ فَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا، مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الأَدَاءِ، خِلافُ حُكْمِهِ إِذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الأَدَاءِ، فِي الدُّخُولِ إِلَى مَوْلاتِهِ، وَفِي النَّظَرِ إِلَيْهَا، وَفِي إِبَاحَةِ ذَلِكَ لَهُ مِنْهَا وَأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ بِخِلافِهِ بَعْدَ